دخل على "المتوكل" رجل مُدَعٍ للنبوة، وكان المتوكل غارق بملذات الدنيا وشراك الشيطان! قال الرجل: إني نبي مرسل من عند الله بمعجزة! قال المتوكل متبسماً بإستغراب: وما معجزتك يا نبي الله؟! قال الرجل :لو قدمت لي زوجة أحد الجالسين، سأجعلها تلد مني بمجلسك هذا! ضحك المتوكل وألتفت لوزيره وقال: أما أنا فقد صدقت نبوة الرجل! وما عليك إلا إحضار زوجتك لتصدقه. قال الوزير: ليحفظ الله الخليفة، أني أيقنت بالرجل منذ أن رأيته! ضحك الجميع، وأمر الخليفة للنبي المدعي بمائة ألف درهم من بيت المال. إنتفض رجل من بين الجالسين، ووقف أمام المتوكل وقال: (إعتليت المنبر الذي طالما جلس عليه رسول الله ليهدي الأمة وينقذها فكان منبر إصلاح في المجتمع وما وجودك عليه إلا لأنك مؤتمن على حقوق الرعية، والحفاظ على بيضة الدين من هولاء! وكأن كلمة الرجل أرعبت المتوكل، بعد إن أنتفض الجالسين ضده!
مدينة سوق الشيوخ، بإرثها وحضارتها ونياشينها، لا أريد خوض غمار الكلمات بالحديث عنها، يُقال إن (الكتاب يُقرأ من عنوانه) و( سوق الشيوخ) عنوان كافٍ لقرأتها. . تعاقبت الولاة كتعاقب بني العباس، ولم يكن في الرعية سياسياً مُتَنَفِذ، أو حكومياً مُنَفِذ، يُنصف المدينة السوداء بنخيلها، وبساتينها المسجاة على شواطئ الفرات، ولطالما يتغنى أهلها، تحت سقف الدخان المسافر، من بين أصابع القصب، هرباً من معركة النيران في المواقد، بأصوات مزجت الماضي بالحاضر، وحاكت الثقافة والفن بمغزلي الشجن والحزن، وكأن تلك الأصوات تبكي على ليلى، وينتظر ليلى الجميع، لتقف أمام المتوكل، وتقول له إنصف رعيتك، فأن سوق الشيوخ أمانة السومريون عندك. . نظرت فيمن تقلد المناصب الرقابية والتنفيذية، ممن سكن المدينة، لم أجد فيهم إلا كما وجدت في من حضر مجلس المتوكل، يَرون الدين وحقوق الرعية تُنهب! فيتمازحون ضحكاً! أما لفساد مع الخليفة أو خوفاً منه أو حياء، ولأني أرى الكون ليلاً، ما كنت أرقب للفجر صولة، فأني أرى الحكومة فاسدة، ولا أرقب لمدينتي مصلحاً، ولأن الشمس قتلت الظلام! وإستلت الفجر من خيوطه، إنبلج من الحكومة مسؤولاً فيه صفات ذاك الرجل الذي أوقف المتوكل موقفه. . تعاقب على رئاسة الحكومة المحلية، العدد الذي لا يستهان به من المسؤولين، بالرغم من طول فترات ترأسهم، لكننا لم نلحظ أي تحسن بالوضع المعيشي والخدمي للمدينة! وباتت تُنهب وتُسرق على مرأى أنظار الجميع، اليوم وبعد إن وجدت أسم (ستار الجابري)، يتناقله أهل المدينة في مجالسهم ومقاهيهم وحتى برامج التواصل الإلكترونية، ويتكلمون عنه وعن عمله الدؤوب، الذي خدم المدينة، جال بخاطري قصة ذلك الرجل، الذي أوقف فساد المتوكل بثورته. . الجابري الذي أنجبته مدينة سوق الشيوخ عام (1980)م وإشتد عوده في عشيرة الجهاد ضد البعث الصدامي، كان نموذج وتجربة ناجحة، لزج الشباب في مواقع المسؤولية، لما يتمتعون به من حب العمل، والإنخراط به بقوة ووطنية، وعلى المجتمع السقشخي أن يعي بأن مسؤول شاب! بهكذا عطاء إستطاع أن يستقطب المجتمع خلفه، وعلى إختلاف توجهاته! هو بذرة إصلاح لابد أن تروى بماء التأييد والوقوف معها حد الثمر، الذي سيعطي مسؤولاً أخر للأجيال القادمة.
|