انه سؤال جاد للغاية. نعم، هل قرأتَ خطابك الذي وجهته الى أهالي المناطق السنية (أنت أسميتها الغربية ولكنك قصدت السنية)؟ هل قرأته بتأنٍ وتأمل واكتراث كلمة كلمة وجملة جملة وفقرة فقرة؟ انه يستحق ذلك، فهو خطاب جيد معنى ومبنى وقد أحسن كاتبه كتابته. أسأل سؤالي هذا وأنا مهتم للغاية بان تكون أنت قد قرأته ملياً قبل إلقائه أمام الكاميرا توطئةً لبثه. قراءتك المتمعنة له بالغة الأهمية، لأنك أنت أكثر من يتوجب أن يتوجه اليه هذا الخطاب، فأنت من ينبغي أن يدرك قبلنا جميعاً وأكثر منا جميعاً أن "الفتنة عمياء"، وهي "كالنار" لا تبقي ولا تذر و"لا تميّز بين مجرم وبريء"، فلقد كانت الفتنة نائمة وأنت من أيقظها، أو في الأقل من هيّأ الظروف لإيقاظها. بعد خروجنا من فتنة طائفية كادت الا تبقي ولا تذر، وأزهقت فيها أرواح كثيرة أغلبيتها الساحقة بريئة (2006 – 2007)، كنا نتطلع الى قيام دولة القانون تمهيداً للانطلاق الى دولة العدالة والمساواة في ظل نظام ديمقراطي، لكنك منذ شكلت حكومتك الثانية أدخلتَ البلاد في أزمة سياسية ظلت تشتد على مدار الساعات والأيام والاسابيع والاشهر والسنوات، حتى تفجرت أخيراً في صورة فتنة طائفية يمكن ان تأكل نارها اليابس والاخضر سواء بسواء. هذه الازمة كنت فيها أشبه بالقائد العسكري الذي يفتح كل الجبهات مرة واحدة ويدفع بجيشه في كل الاتجاهات. فتحتَ جبهة مع العراقية ثم مع التحالف الكردستاني، والعراقية مرة أخرى، ولا تظنّن أننا لم نكن نرى ما يجري على الجبهة الثالثة.. جبهة حلفائك الشيعة: المجلس الأعلى، الصدريون، الفضيلة وسواهم، فمنهم كنا نسمع رأياً فيك أشد من رأي العراقية والكردستاني، لكنها التقيّة، التي تعرفها جيداً، هي ما يجعلهم يُظهرون عكس ما يُضمرون ويبلغوننا إياه في المجالس الخاصة. السيد المالكي، انت بالذات من يجب أن يسمع خطاب العراقيين المتواصل منذ عشر سنوات، والصادر من القلب والعقل والروح .. خطاب الرغبة والأمل في أن تبقى بلادهم موحدة، وان يظلوا "أخوة يتعايشون بمحبة وسلام ويسهمون جميعاً في عملية بناء وطنهم بلا تمييز ولا تهميش ولا طائفية وفي ظل الدستور". وانت بالذات من يجب أن يقال له ولوزرائه وقادته العسكريين ومساعديه ومستشاريه "ان العراق أمانة في أعناقكم جميعاً ولا يحق لأحد أن يتحلل من الأمانة"، فأنتم من في أيديه السلطة، وانتم من في أيديه المال، وانتم من في أيديه القوة الغاشمة، وقد أسأتم استغلال السلطة واستثمار المال واستعمال القوة الغاشمة. وهذا بالذات ما فجّر الاوضاع في المناطق الغربية (السنية)، مثلما فجرها قبل سنتين في بغداد والوسط والجنوب (الشيعيين) في صورة مظاهرات شعبية قمعتها قواتكم بقسوة مفرطة أيضاً واتهمتموها ظلماً وعدوانا بأنها بعثية وقاعدية قبل أن تعودوا وتعترفوا بأنها لم تكن كذلك وان مطالبها شرعية ودستورية. وأنت أنت -السيد المالكي- من يتعين أن يدرك ان "ما يحققه الحوار والتفاهم والجلوس على طاولة الاخوة والشراكة لا يستطيع ان يحققه الارهاب والعنف والقتل"، وان "المطالب المحقة تحقق عبر الحوار وعبر آليات الدستور والتفاهم ولا تحقق عبر القتل ودعوات الكراهية والطائفية التي نسمعها يوميا"، فأنت من قطع سبل الحوار بتعويلك على القوة الغاشمة، وأنت من تجاوز آليات الدستور وانتهك أحكامه وخرج على قواعد اللعبة الديمقراطية برفض الخضوع للمساءلة أمام البرلمان الذي كلفك نيابة عن الشعب وباسمه بإدارة مجلس الوزراء، فقد تكبّرت وتجبّرت أنت ومساعدوك ومستشاروك، ولم تعودوا تستمعون الى النصح ولا تقبلون بالنقد، وأخذتكم العزة بالإثم فبلغنا من جديد حال استيقاظ الفتنة العمياء. مرة أخرى أسألك، السيد المالكي: هل قرأت خطابك ملياً وبتأن؟ افعل هذا رجاء.
|