الإنسان ..حيوان كاذب!


لقد تعرفنا خلال مسيرة (الفكر الإنساني) على عدة توصيفات وتعريفات بخصوص الكائن -أو الحيوان- البشري وذلك من خلال كتابات عدد من المفكرين والفلاسفة حيث هناك من وصفه بالحيوان الناطق -أرسطو- وآخرين وصفوه على إنه (حيوان عاقل أو إجتماعي) وتقول إحدى المواقع الإجتماعية بخصوص الموضوع ما يلي: "إن أول من عرف الإنسان بهذا التعريف هو أرسطو إذ قال: إن الإنسان هو الحيوان الناطق. وقد عرفه غيره من الفلاسفة بأنه الحيوان العاقل, أو الحيوان المفكر, أو الحيوان الأخلاقي, أو الحيوان الاجتماعي, أو الحيوان المتدين .الخ... فهل الإنسان حيوان؟".

إننا هنا لن نناقش قضية "الحيوانية البشرية" حيث أن مصطلح الحيوان وفي إحدى معانيه يأخذ معنى الوجود والحياة ويقيناً أن كل أولئك الفلاسفة قد أخذوا مصطلح الحيوان كتوصيف أول للكائن البشري وفق ذاك السياق التوظيفي التعبيري للمصطلح حيث بالأخير؛ فإن الكائن البشري هو أحد الأجناس والأنواع الحيوانية الطبيعية للوجود وما يميزه عن باقي الأجناس والأنواع هو التوصيف الإيضاحي للمعنى الأول أو الصفة الأخرى اللاحقة بتلك الطبيعة الحيوانية وذلك من قبيل "النطق والتفكير والحالة الإجتماعية الأخلاقية".

وهكذا فإننا نجد بأن الخلاف أو الإختلاف بخصوص الكائن البشري، لدى كل أولئك المفكرين، لم يكن نابعاً من قضية توصيف هذا الكائن بالحيوانية، بل هو قائم على أساس ما يميّز هذا (الحيوان) ولذلك جاء التباين والإختلاف، لكن تمحورت حول قضيتين أساسيتين جوهريتين وهما؛ العقل أو التفكير المنطقي والمحاكمات العقلانية والقضية الأخرى تمحورت حول الجانب الإجتماعي للكائن البشري الآدمي حيث العمران والمدنية .. وبكل تأكيد فقد وفق أولئك الفلاسفة ولدرجة كبيرة في قراءاتهم أو ما يمكن تسميته بإحدى أكثر القراءات الفلسفية عمقاً في الأنتروبولوجيا البشرية، إلا إنهم وللأسف بالغوا كثيراً في تفرد هذا الكائن الحيواني (الإنسان) بتلك الصفات العقلانية والإجتماعية.

حيث لو أخذنا قضية العقلانية والتفكير المنطقي -وبدرجة نسبية- لوجدنا بأن كل الأنواع والأجناس الحيوانية، والحيوان الآدمي ضمناً، تتمتع بتلك الخاصية التفكيرية، إن كان في تأمين مستلزمات تأمين الحياة أو الدفاع عن النفس والحفاظ على النوع وحتى قضية؛ أن الإنسان حيوان ناطق والتي أشار لها أرسطو، فأعتقد بأنها ليست خاصية يستفرد به هذا الكائن الآدمي -أو الحيوان الناطق- حيث الحيوانات الاخرى أيضاً لها نطقها وإشاراتها اللغوية التي تتواصل به مع أبناء جنسها من نفس النوع (الحيواني).

وكذلك قضية الجانب الإجتماعي والتي أشار لها بعض المفكرين والفلاسفة، فهي الأخرى ليست بميزة تخص الكائن الآدمي حيث لو درسنا الحياة الإجتماعية لخلية النحل لوجدنا فيه من الدقة والتناغم والإنضباط من حيث العلاقة والروابط الإجتماعية تفوق ما هو موجود لدى البيئات الإجتماعية البشرية.. وبالتالي يمكننا القول؛ بأن كل التوصيفات السابقة -مثل الحيوان الناطق أو العاقل أو الإجتماعي أو..الخ- لم تكن إلا خدعاً وأكاذيب ونفاقاً من هذا الكائن الحيواني البشري لكي يعطي نفسه تلك الخصوصية والإستفراد والتمييز الإجتماعي وقد تفوق على نفسه في الكذب لدرجة؛ إنه بات يصدق أكاذيبه.

طبعاً هذا لا يعني نفياً تاماً لتلك القراءات الفلسفية، بل تأكيداً على إنها تعبر عن أجزاء من الحقيقة الكلية التي تعبر عن الواقع الوجودي للكائن البشري،ذلك من جهة أما من الجهة الأخرى؛ فإنها تؤكد على ما ذهبنا إليه في عنوان مقالنا؛ بأن الإنسان حيوان كاذب حيث وبقناعتي إن هذه هي الحقيقة الأكثر تعبيراً عن الجنس الحيواني -أي الإنسان- وهي الصفة الأكثر تمييزاً وإستفراداً للكائن البشري وبأنه أكثر حيوان قادر على الكذب والنفاق والدجل، بل إنه قادر على الكذب لدرجة إقناع الآخر على إنها الحقيقة.

وهكذا؛ يمكننا القول: بأن جميعنا يكذب بطريقة غوبلزية لدرجة إنه ليس فقط قادر على إقناع الآخرين، بل حتى إقناع نفسه حيث وجدنا كيف أن أولئك الفلاسفة والمفكرين كذبوا على أنفسهم و-علينا- في قضية تعريف الكائن الحيواني (الإنسان) وقمنا صدقنا أنفسنا وأقنعنا ذواتنا بأن تلك هي إحدى حقائق الطبيعة. ولذلك وأخيراً؛ يمكنني القول: بأن غوبلز كان أكثر حيواناً كاذباً وبالتالي أكثر إنساناً من الجميع وذلك رغم كل ما يتم تحميله من ذنوب ومعاصي الإنسان، هذا الحيوان الكاذب، فهو يشبه يهوذا الأسخريوطي في أحد أقنعته (أوجهه) وفي القناع (الوجه) الآخر هو المسيح الكاذب.