المحاصصة درع واق للمفسدين

 

عانت العلاقات العراقية، مع المملكة العربية السعودية، إحتقانا، منذ 2003 ولحد الان، بقوة ترقى الى القطيعة وأشد من ذلك، إذ بلغت حد تبادل الاتهامات برعاية المملكة للارهاب في العراق ورعاية بغداد للمصالح الايرانية، لا اجد لدى العراق سبباً وطنياً يحثه على إستعداء دولة عربية يرتبط بها إقتصاد العالم، فالاجدى لنا إستمالتها بدل الاستعداء، من باب كون السياسة فن الممكن وتبادل المصالح المشروعة، بغض النظر عن أية ولاءات معنوية؛ لأن الجانب العملي.. المنصف، أحق بأن يتبع؛ خدمة للشعب والوطن. فالعراق بلد خرج من الديكتاتورية الى الارهاب، لا يصح ان يورط نفسه لا بمعاداة احد ولا بتبني موقف احد، إنما يمد صلات طيبة مع الجميع، ريثما يستقر سياسيا واقتصاديا وعسكريا ويتكامل انصهار عناصر الحضارة فيه، وبعد ئذ يعزز الصلات الطيبة التي سبق ان مدته بنسغ التكامل الحضاري، من دون ان يتنكر لها، او يتنصل من أية إتفاقات مبدئية، قامت على الإنصاف. ولا جدوى من الإنسياق وراء الإستفزازات المترتبة على تصريحات ثامر السبهان.. السفير السعودي في بغداد، لأن ذلك يعد تفريطا بفرصة طيبة لتسوية الموقف العراقي من الأسرة الدولية. الحكم الحالي في العراق ورث قطيعة متجذرة، مع معظم دول العالم، منذ “العقوبات الدولية – حصار التسعينيات” وتفاءلنا خيرا بمد علاقات متكافئة مع العالم، بعد التغيير الحاد الذي حصل في العراق العام 2003، لكن من جاءوا أجهضوا التجربة. فتصريحات السبهان مبنية على مؤشرات، تستمد قيمتها من وجهة نظر بلده، في محاولة جادة لمساعدة العراق على تخطي الانهيار القيمي الذي يعيشه جراء المحاصصة، التي تشكل درعا واقيا للمفسدين، وقد إلتهم الفساد ثرواته، وحوله من بلد غني الى مدين. لذا لا يمكن تكييف شكوى السبهان من أحوال خاطئة في العراق، على أنها تجاوزات تخترق حدود الدبلوماسية؛ لأن العلاقة مع السعودية لا تتأطر بحدود؛ فهي تمتلك شرعية النصيحة.. دينيا وقوميا؛ بحكم الانتمائين الإسلامي والعربي، اللذين يشداننا إليها.. تضافرا مع الحديث النبوي الشريف: “رحم الله من أهداني أخطائي” فالسبهان يؤشر حقائق، ينبغي ان يأخذ بها المسؤولون العراقيون، وألا يهملوها.. لكن المشكلة أنهم لم يكتفوا بإهمالها، إنهما إعتبروها عدوانا، في وقت يجب ان يشكروه ويستمدون المملكة عونا في تصويب الأخطاء التي إستفحلت في منظومة السلطة العراقية. ببساطة أقول: لو نسقنا علاقاتنا مع السعودية، إقتداءً بمصر، هل كانت حالنا ستؤول الى هذا التردي؟ فلماذا لا نأخذ بما ينفع ونتجنب ما يضر، بدل تشنج العلاقات مع دولة كبرى كالمملكة العربية السعودية، التي يحتاجها الجميع ولا تحتاج سوى الله. ثمة حكمة أحترمها للمفكر السعودي د. عبد الله الغذامي، تنص على أن: “من يتمكن من إستفزازك؛ يهيمن على مشاعرك” ولو أن هذا منطق ينطبق على أفراد، لا يشمل السياسة، بملابساتها المعقدة، لكن ينبغي على الساسة العراقيين، ألا ينجروا الى منطقة الإنفعال تسرعا بطلب إستبدال سفير ذي ثقل معرفي واضح بشؤون السياسة، يمثل دولة فائقة الأهمية في المنطقة. هذا الكلام لن يوافق هوى معظم الساسة العراقيين؛ لأنهم يرهنون مصلحة العراق بولاءات شخصية، لها جذور تمتد الى زمن معارضة النظام السابق، معلقين عناصر قوتهم في ضمان موقع سياسي فاعل داخل العراق، على القوة المتغلغلة فيه، مسهمين بجعل الباب مشرعة امامها؛ كي يستقووا بها على نظرائهم.إذن ولاؤهم ليس للعراق، إنما لأنفسهم وللجهات التي ترتبط مصالحهم بها، ما يعني وجوب تصحيح البنية السياسية للعراق، والمجيء بأفراد وتشكيلات حزبية وكتل نيابية، لا ارتباط خارجي لها، الا بقدر ما تقتضيه مصلحة العراق.وأولى الاولويات في العمل السياسي المفترض، هو التبسط في محاورة السعودية، بشأن ملاحظاتها على بنية السلطة في العراق، من دون السماح بطرحها بديلا عن الهيمنة الايرانية الراهنة.فتح حوار سهل مع الاطراف التي تتعلق الوان الطيف العراقي بها، من شأنه أن يفتت العقدة ويذيب جدران التحرز المتبادل بين العراق والسعودية، من جهة، ووضع خطوط عمل واضحة الحدود، مع المحيط الدولي كافة، بما فيها ايران والسعودية، يبنى على تدعيم قوة العراق من الداخل وإنسيابية علاقاته الخارجية، بما يعود بالمنفعة عليه وعلى دول العالم.إذا ما تبلورت فكرة “دولة السلام” المطلقة، في عمل إجرائي، تنفذ خطواته تباعا وفق طرق دبلوماسية معلومة.. واضحة الاركان، سينتشل العراق من أعباء الفساد والمحاصصة اللتين ينوء بهما، بل ويؤسس إنموذجه السيادي الذي يحسن الافادة من ثرواته، في بناء دولة متقدمة، إسوة بغيره من الدول.. الاقل ثراءً والاكثر تنظيما.وهذا يتطلب ساسة مخلصون يوظفون علاقاتهم الخارجية لمصلحة بلدهم، من الداخل، على العكس مما يحدث الان من تكريس العراق لتلبية مصالح واجندات دولية خارجية، تضر به داخليا.