يا دولة الرئيس

 

لدينا في العراق أزمة إرهاب، ولدينا حكومتك المنتخبة، حكومة نريد لها أن تقتل الإرهابي بعيداً عن المواطن، وأن لا تنخدع بخديعة الإرهابي الذي يلبس لباس المواطن، ويظهر في ميادين تظاهراته وساحات اعتصامه.. هذه خديعة ماكر، وعلى الحكومة -وهي المؤسسة التي تضم وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني وأجهزة الاستخبارات والمخابرات ومكافحة الإرهاب- أن تكون أكثر مكراً، فلديها القوة لتتصرف بروية وبأعصاب باردة وتتخذ قرارات أكثر هدوءاً وحكمة.
خيار استخدام الجيش عند أول تحد بمواجهة الجموع الهائجة هو خيار صدام والقذافي وحسني وبشار، ولا نريد أن يكون خيارك، لأنك لست أياً من هؤلاء، فأنت رئيس وزراء منتخب بشكل حر وحقيقي، وعندما يرتدي الرئيس المنتخب أسمال الرئيس المستبد، فهذه طعنة غدر بشعة في جسد الديمقراطية، ما يؤدي إلى خسارة فادحة لا يمكن مسامحتك عليها.
كيف خانتك الحكمة يا دولة الرئيس، فسمحت لقادة الجيش بأن ينوبوا عنك بحل أزمة هي سياسية في عمقها؟ الآن سِجلُ تاريخك يحمل وصمة عار لن تستطيع مسحها ما حييت، ففي عهدك وبسببك حدثت مجزرة حقيقية، قتلَ الجيشُ فيها ما يقرب من 50 مواطناً وجرح أكثر من مئة، ولا تقل لي إنهم إرهابيون، لأن هذا القول لم يعد مقنعاً، فلم يسقط في صفوف الجيش ليلة الاقتحام غير شهيد واحد أو أكثر بقليل، ما ينفي بشكل قاطع كون المعتصمين مسلحين ومستعدين للمواجهة، أو كونهم إرهابيين، فأنت تعلم، ونحن كذلك، طبيعة المعركة التي يكون أحد أطرافها إرهابيين.
سأكون صريحاً معك أكثر، في السابق كان الشيعة يقولون: أن حكم الأقلية السنية مارس جرائم بشعة بحقهم. جرائم وصلت حد المجازر، وأن حكمهم (الشيعة) سيكون أرحم. الآن أفرغت أنت هذا القول من محتواه، سلبت الشيعة هذا الامتياز، ساويت بين حكمهم وحكم صدام. سجونك مليئة بمن اعترفت أنت بأنهم أبرياء، وأصدرت أوامر بإطلاق سراحهم، والآن استخدمت الجيش ضد من تبين وثبت أنهم مدنيون، ولا نعلم ماذا ستفعل بعد ذلك!
لقد فشلت سيدي الرئيس، لقد وصمت جبين شيعة العراق بوصمة سوداء اتخذت وحدك قرارها، وحملتهم جميعاً مسؤوليتها، بالضبط كما حمل الشيعة، في وقت سابق، سنة العراق مسؤولية جرائم صدام. اليوم نحن بحاجة لتبرير هذا الفعل الإجرامي أمام الرأي العام العالمي، فماذا سنقول لهم؟ إذا قلنا لهم إن المجزرة يتحملها القادة الميدانيون، فهذا هو المبرر الذي رفعه صدام يوم اتهمناه بمجزرة الدجيل التي راح ضحيتها جموع من حزب الدعوة. وإذا كان ذلك مقنعاً فلماذا إذاً أعدمناه؟ وإذا قلنا لهم أن هذا الفعل يتحمله القائد العام للقوات المسلحة، فسنضطر لإعدام مستبد "شيعي" بعد أقل من عشر سنوات على إعدامنا لمستبد "سني"، ما يعني أن الطائفة الشيعية التي رفعت رايات الاضطهاد لعقود طويلة تحولت إلى ظالمة بمجرد أن تولت السلطة لعشر سنوات.. عشر سنوات لا أكثر يا سيدي الرئيس!! يا لها من خيبة أمل، ويا لها من خسارة ويا لها من لطخة سوداء بجبين ابيض بياض المضطهدين.
قبل سنوات كتبت مقالاً هجمت فيه على الصحفي السعودي طارق الحميد، لأنه انتقدك، فشعرت بالغيظ من كاتب يعيش في ظل نظام استبدادي، ومع ذلك يهاجم بكل وقاحة، رئيساً منتخباً بشكل ديمقراطي، وعبرت يومها عن نشوتي وأنا أراك تتوسط الزعماء العرب، السابقين، ووحدك المنتخب بينهم، بعد اليوم لن أدافع عنك.
الوقت لم يفت يا دولة الرئيس، ما تزال الأزمة في بدايتها، وما يزال أمامك متسع لتفويت الفرصة على قوى الإرهاب التي تحاول أن تفتح أبواب جهنم على العراق، الموضوع معقد.. صحيح، كلنا نعلم مقدار تعقيده، لكن ما حاجتنا للقائد إذا كانت أزماتنا بسيطة ومقدور عليها؟ اعتذر لأهل الضحايا بشكل واضح ومباشر، وأدعو السياسيين إلى تحمل المسؤولية معك، أشركهم في القرار الأمني، ادفعهم ليكونوا بينك وبين دماء الأبرياء، فيكون القرار متخذاً من قبل الجميع، اترك قادة العراقية والتحالف الكردستاني والتحالف الوطني يواجهون دقة القرار الأمني بمثل هذه الظروف، واطلب منهم أن يعالجوا الأزمة، فإذا نجحوا، كنت أنت أحد الرابحين، وإذا فشلوا كنت أنت الرابح الأكبر، وستكسب فرصة أن يتفهم الجميع تعقيدات مجزرة الحويجة. أدعوك بقلب محب إلى أن تسرع في إنقاذ نفسك وإنقاذنا معك، وتقبل فائق احترامي.