أعلن السيد حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء في مؤتمر صحفي عقده ( الثلاثاء) في بغداد وحضرته وكالات الإنباء أن المجلس ناقش في جلسته الأسبوعية منح الموظفين إجازة لمدة خمس سنوات براتب اسمي كامل وتحسب الإجازة لأغراض التقاعد ، مشيرا إلى أنه اقترح منح الموظفين بصفة عقود مبلغا ماليا والسماح لهم بإنشاء مشاريع خاصة بهم ، وأضاف العبادي، "اقترحنا إعطاء العقود مبلغا من المال من أجل التحفيز والسماح لهم بإنشاء مشاريع خاصة"، عازيا سبب ذلك إلى تقليل الأعباء وخلق فرص عمل في المجتمع ، يذكر أن العراق يعاني من أزمة اقتصادية نتيجة انخفاض أسعار النفط الذي يمثل المورد الرئيسي لإيرادات البلاد، فيما تؤكد الحكومة سعيها لإيجاد البدائل المناسبة لمعالجة هذه المشكلة ، وحسب مصادر مطلعة فان رئاسة الوزراء بصدد إرسال مشروع قانون إلى مجلس النواب بهذا الخصوص بما يكفل تشريعه وسريانه لغرض العمل به .
وفي حالة تشريع هذا القانون فانه سيكون سابقة عراقية ومن شانه معالجة بعض المشكلات المالية التي تعاني منها الموازنة الاتحادية بخصوص دفع نفقات الموظفين التي تبلغ قيمتها أكثر من 50 تريليون دينار سنويا وبما يعادل 70% من مجموع النفقات التشغيلية ، أما عن مسوغات تشريع هذا القانون بدلا من تسريح الموظفين من الخدمة ، فان التشريعات السائدة ( حاليا وسابقا ) لا تتيح إمكانية الاستغناء عن الموظفين حيث لا توجد نصوص قانونية تخول السلطة التنفيذية إنهاء خدمات الموظفين إلا بناءا على مخالفات محددة وآليات رسمها القانون كما لا توجد مواد قانونية تسمح بإحالة الموظفين قسرا إلى التقاعد ، ولعل البعض يتذكر الحملة التي شنها النظام البائد سنة 1987 تحت مسمى الثورة الإدارية أو حملة الإصلاح الإداري ، ففي وقتها تم تصنيف الآلاف من الموظفين على إنهم فائضين عن الحاجة لا سيما من الزراعيين أو البيطريين أو من أصحاب الدرجات المنخفضة وكانت النية تتجه نحو إصدار قرار لمجلس قيادة الثورة ( المنحل ) بطرد الفائضين أو إحالتهم قسرا على التقاعد ، ولكن الموضوع انتهى إلى إبقائهم وإعادة توزيعهم على الوزارات الأخرى كالدفاع والداخلية والصحة والتصنيع العسكري وغيرها من الوزارات ومن خلال قرارات إدارية اتخذتها اللجان التي شكلت لمناقلة الموظفين واغلبهم عملوا بعيدا عن تخصصاتهم ولكنهم بقوا بالوظيفة الحكومية .
وكما هو معروف للجميع فان أكثر من 3 ملايين موظف قد تم تعيينهم منذ 2003 ولحد اليوم والكثير من هذه التعيينات عشوائية ولا تستند إلى الحاجة الفعلية وقد تمت بصلاحيات الوزراء والمدراء بعد إلغاء التعيين المركزي وتغييب دور مجلس الخدمة الاتحادي الذي لم يفعل قانونه رغم نفاذه منذ سنوات ، وهذا العدد الكبير من الموظفين لا يمكن شمولهم بالتقاعد في ظل مواد القانون ( قانون التقاعد الموحد ) النافذ رقم 9 لسنة 2014 لأنه يشترط وجود خدمة تقاعدية لمدة 15 سنة لبعض الحالات و25 سنة للحالات الأخرى ، وحتى عند الإحالة إلى التقاعد فان نصوص القانون تشترط بلوغ العمر 50 سنة لاستحقاق ( استلام ) الراتب التقاعدي عدا حالات الوفاة والمرض ، والعديد من الموظفين الذين تعينوا أو أعيدوا للخدمة بعد 2003 لا يتوفر فيهم الشرطين وممن تتوفر فيهم الشروط قد تغريهم الرواتب والمخصصات للبقاء وعدم الإحالة إلا عند بلوغ السن القانوني ، مما يعني إن قانون التقاعد بوضعه الحالي لا يمكن إن يخفف العبء عن الدولة في مجال تقليل النفقات على رواتب الموظفين من الموازنة الاتحادية أو تقليل البطالة المقنعة المنتشرة في بعض أجهزة الدولة الحكومية ، وهو ما يتطلب أما تعديل قانون التقاعد الحالي أو إيجاد قانون جديد لمعالجة العديد من الحالات التي تشجع الموظفين للتنازل عن جزء من رواتبهم ومخصصاتهم خلال السنوات الحالية ولحين اجتياز الأزمة المالية على الأقل ، آخذين بنظر الاعتبار وجود حساسية لدى الكثير من موضوع تخفيض رواتب ومخصصات الموظفين اعتقادا بأنها لا تسد متطلبات الحد الأدنى من الحياة كونها بنيت على أساس الأسعار السائدة قبل 9 سنوات ، باعتبار إن سلم رواتب الموظفين ( النافذ ) صدر بموجب القانون 22 لسنة 2008 وقد تم تخفيضه قبل سنتين لبعض الدرجات .
ونشير بهذا الخصوص إن اغلب الدول التي تتبع أنظمة الخدمة الدائمة تتيح لموظفيها إمكانية التمتع بإجازات طويلة تصل إلى خمس سنوات ( مثل مصر ) لغرض إتاحة الفرص لهم لتكييف أوضاعهم المختلفة ، في حين إن قوانين الخدمة لدينا تسمح بمنح الموظف إجازة بدون راتب لمدة لا تزيد عن سنتين خلال مدة الخدمة الوظيفية ، وهذه الإجازة يمكن التمتع بها كلا أو جزءا ولا يتم احتسابها لإغراض التقاعد كونها بدون راتب ولا تستوفى عنها التوقيفات التقاعدية ، فالأساس المعتمد في أنظمة الخدمة لدينا هي استقطاع التوقيفات التقاعدية لكي تعد الخدمة تقاعدية ولكون الإجازة بدون راتب فإنها لا تحتسب خدمة تقاعدية ، وما طرحه السيد رئيس مجلس الوزراء بشان منح الموظف إجازة طويلة لمدة خمس سنوات براتب اسمي كامل هي حالة غير مطبقة سابقا في العراق ويمكن أن تعالج العديد من الحالات كونها براتب اسمي وتحتسب لأغراض التقاعد بعد استيفاء التوقيفات التقاعدية ومن تلك الحالات :
. إتمام الخدمة التقاعدية أي 15 أو 25 سنة حسب الحالات
. بلوغ سن استلام الراتب التقاعدي البالغ 50 عاما
. العمل خارج العراق عندما تتوفر الفرص لهذا الغرض
. الأمومة والتفرغ لرعاية العائلة استجابة لحالات اجتماعية
. إكمال الدراسة داخل أو خارج العراق من دون الحاجة للتمتع بإجازة دراسية
. المصاحبة الزوجية خارج العراق أو التفرغ لرعاية جوانب إنسانية
. الراحة النفسية والابتعاد عن ضغوطات العمل
. العمل خارج العراق وجلب العملات الأجنبية للاقتصاد الوطني
. التقليل من حالات هجرة الشباب الدائمية خارج العراق
. أية حالات أخرى تتم بناءا على رغبة وطلب الموظف وليس من خلال الإكراه
ومن المحتمل أن تستفيد إعدادا كبيرة من هذه الإجازة وبما يحقق هدف تقليل عدد الموظفين والتخلص من نفقاتهم التي تشكل التزاما على الدولة التي لا يوجد مجال للتملص منها ، ولكن السؤال الذي من الصعوبة الإجابة عليه هو ما هو المسوغ لمنح كامل الراتب الاسمي للموظف ولمدة خمس سنوات وهو لا ينتج شيئا ولا يقدم خدمة وعند نهاية مدة الإجازة قد ينشأ التزاما جديدا على الدولة وهو دفع الراتب التقاعدي وقد يقول البعض أن من حقه ذلك لأنه يدفع توقيفات تقاعدية ولكن واقع الحال يشير إلى إن التوقيفات ستقتطع من الراتب الممنوح له دون عمل وليس من جهده المبذول ، وهذا الموظف قد يعمل في القطاع الخاص وينافس العاطلين عن العمل وقد ينشا مشاريع يستفاد من خلالها من علاقاته أثناء الوظيفة ليحقق مزايا غير مشروعة فيزيد من الفساد فسادا ، كما إن التساؤل المشروع هل إن الإجازات تمنح لأي موظف بغض النظر عن الحاجة الفعلية لتخصصه والخبرات والإسرار التي يحملها لا سيما عندما يكون ممن تم إعداده أو إيفاده أو انه اكتسب الخبرات أو غيرها من الحالات ، وهذا يتطلب تقديم تعهدات بعدم ممارسة العمل أثناء التمتع بالإجازة الطويلة ولكنه نوع من التقييد للحريات ، مما يستوجب دراسة متأنية لمثل هذا التشريع فهو جيد ومناسب بشكل عام ولكنه يحتاج إلى جهود في صياغته وإخراجه إلى حيز التنفيذ ، لان الدولة يجب أن لا تتحول إلى مؤسسة كبيرة للرعاية الاجتماعية فتقوم بتعيين موظفين ثم تمنحهم إجازات لخمس سنوات براتب اسمي كامل ، علما بان فكرة إيقاف التعيينات التي ترد في مواد