شراء المحكومية في قانون العفو العام مخالف للدستور والقانون

السجين إنسان له كرامته وحريته المقررة من قبل الله سبحانه وتعالى ما يلزم الاقتصار على السجن في اقل قدر ممكن فهو ضرورة وليس أصل والضرورة تقدر بقدرها، وهذه رؤية واقعية تتفق مع المبادئ الإنسانية التي قررتها المواثيق والمعاهدات الدولية والدساتير، ومنها دستور جمهورية العراق لعام 2005 الذي أكد في المادة (15) إن لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، وفي قانون المؤسسة العامة للإصلاح الاجتماعي رقم (104) لسنة 1981وصدرت تعليمات عدد (4) لسنة 2015 لتنظم أجور عمل النزلاء داخل أقسام الإصلاح الاجتماعي، فمراكز الإصلاح والتأهيل هي المكان المخصص طبقاً للقانون لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، فهي مهمتها الأساسية التدريب والتأهيل على الحد والوقاية من الجريمة.///استبدال الجزاء النقدي بجزاء السجن:::::
وبسبب قصور عقوبة الحبس في حماية المجتمع من الجريمة وآثارها، وعدم نجاعتها في معالجة المجرمين وٕاصلاحهم، ونتيجة ذلك، بدأ البحث عن بدائل لعقوبة الحبس في الأنظمة القانونية الحديثة، وظهرت العديد منها مثل نظام وقف التنفيذ والاختبار القضائي والإفراج الشرطي ونظام شبه الحرية والتشغيل الاجتماعي.
نص قانون العفو الجديد لعام 2016 بموجب المادة (7) الحق للنزيل أو المودع الصادر بحقه حكم بات وأمضى ما لا يقل عن ثلث المدة المحكوم بها طلب استبدال المدة المتبقية من العقوبة او التدبير بالغرامة، ويكون مبلغ الغرامة [عشرة الاف دينار] عن كل يوم من مدة السجن او الحبس او الإيداع، وتم تبرير ذلك بان هذه المادة ستحقق عائدا ماليا مهما للدولة التي تنفق ملايين الدنانير لرعاية وايواء السجناء، ونص القانون بالفقرة(تاسعا) من المادة (7) على:" تسري احكام هذه المادة على المشمولين بالبنود (رابعاً وخامساً وثامناً وتاسعاً واثنا عشر..) من المادة (5) من احكام هذا القانون."///
ومن هذا النص نفهم بأن الاستبدال لا يشمل المدانين وفق قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005، ولا يشمل القانون المحكومين وفق جرائم القتل العمد الا بعد تنازل المدعين بالحق الشخصي وكذلك لا يشمل المحكومين من عصابات الجريمة المنظمة والسطو المسلح.///
ولو أردنا معرفة ماهية الجرائم الواردة في البنود (رابعا وخامسا وثامنا وتاسعا واثنا عشر) التي تم شمولها بدفع غرامة عن ثلثي المدة المتبقية من المحكومية، وقمنا بترجمة تلك المواد لأرض الواقع القانوني؛ لوجدنا هناك تقاسم غير شرعي وبصورة غير مباشرة للأموال بين مرتكبي هذه الجرائم الخطرة على المجتمع وبين الدولة؛ وكأنها تقول لهم؛ تاجروا بالمخدرات وأغتصبوا وأزنوا بالمحارم وأخطفوا وأقتلوا بالكواتم وأغسلوا الأموال؛ فعليكم ثلث الحكم وشراء متبقي المحكومية بعشرة الاف دينار عن كل يوم سجن وعلينا إطلاق سراحكم.///
 وبعملية حسابية بسيطة نجد أن كلفة استبدال كل سنة سجن هي (3650000) ثلاثة ملايين وستمائة وخمسون ألف دينار فقط، وهذه الاموال التي ستجبى من المحكومين، يتم التعامل معها كديون تستحصل من السجناء وفق قانون استحصال الديون الحكومية، من خلال لجان في السلطة القضائية تقوم بتطبيق قانون العفو العام.////
 ان نص هذه المادة والمادة(10) محلهما ليس قانون العفو، لان تضمين قانون العفو هذه المادتين، كان مخالفا لأبسط التشريعات القانونية؛ وكان الأفضل سن قانون خاص يسمى (قانون استبدال مدة المحكومية بغرامات مالية).////
وهناك من يقول انه لا يوجد اي مانع قانوني ودستوري من استبدال جزاء السجن بالجزاء النقدي، وهذا خطأ فادح، والامر يحتاج أولا الى تشريع قانون من قبل مجلس النواب؛ غير متناسين ان قانون العقوبات رقم 111 لعام 1969 النافذ، قصر عملية الاستبدال بحالات محدودة جدا، ولا تشمل أي جناية؛ إضافة الى ان شمول الجرائم الخطيرة التي ذكرناه بقانون شراء المحكومية يعد خطأ كبير؛ قد ينتج عنه:::::الف- اثار سلبية على المجتمع بخاصة انها جرائم تمس كيان المجتمع العراقي وأبرزها (جريمة حيازة واستعمال الأسلحة ذات التصنيف الخاص، جرائم الاتجار بالبشر وجريمة الاتجار بالمخدرات وجرائم الاغتصاب واللواط والزنا بالمحارم وجريمة غسيل الأموال)، وهذه الجرائم من غير الممكن تطبيق عليها فقرة شراء ما تبقى من المحكومية، خاصة الجرائم الأخلاقية وتجارة المخدرات وغسيل الأموال والخطف، والإصلاح هو الهدف الأول الذي تسعى إليه المؤسسات العقابية لكن مع الحفاظ على هدف العدالة وهدف الردع.///
باء-ان شمول هذه الجرائم بشراء ما تبقى من المحكومية مخالف للدستور؛ لان فيه سحق لحقوق المجتمع العراقي وفيه خطورة على الامن المجتمعي والأخلاقي، وخطورة اجرامية أكبر لدى بعض الجناة الناشئة عن عوامل متباينة، وكان من المفترض اخضاعهما لبرنامج تأهيلي من أجل إصلاح الجناة، والحيلولة دون تأثر المجتمع بسلوكيتهم، والحيلولة بينهم وبين العودة إلى الانحراف الإجرامي مرة أخرى.////
جيم-ان شمول هذه الأصناف بشراء المحكومية يعد هدر لجهود المؤسسة الأمنية والقضائية.////
 وكان الأفضل وفي ظل هجمة الإرهاب الشرسة وتردي الأوضاع الأمنية وانتشار العصابات والمليشيات الخارجة عن القانون، وكثرة اقتناء الأسلحة غير المرخصة، ان يتم فحص مدى الخطورة التي يشكلها الافراج عن السجين، وان لا يتم شمول سجناء بعض هذه الجرائم بنظام الغرامة المالية كبديل عن السجن، واستبدالها ببديل، العمل لمصلحة المجتمع، أي العمل لقاء اجر، كما فعلت العديد من الدول، كالعمل في معامل عسكرية، أو خدمة في مؤسسات خيرية، أو العمل متطوعاً في مؤسسة امنية، وبعض الدول طبقت نظام،  الحبس المنزلي، تحت هدف، ان السجين لا يدفع وحده ثمن دخول السجن وإنما يمتد الأثر إلى أسرته، وبعضها استخدم، الإقامة الدائمة أو المؤقتة؛ وهي الإقامة الإجبارية بصورة مؤقتة أو دائمة تحت رقابة امنية.////
ان تطبيق مسالة استبدال الجزاء النقدي بجزاء السجن يجب ان يخضع لدراسة مستفيضة وان يطبق في حق من لم يسبق له أن ارتكب جريمة وفي جرائم الجنح البسيطة فقط؛ وان كان لابد من تطبيقه على جرائم الجنايات فالأفضل ان يصار الى تطبيقه على جنايات محدودة جدا، ولمن قضى نصف المحكومية ذلك أفضل لأمن المجتمع وسلامته.////
ان العفو عن جزء من المحكومية بشموله بقانون العفو العام، كان يجب ان يتم وفق اشتراطات واضحة إضافة لما سبق تقديمه، منها حسن السيرة والسلوك، وحفظ أجزاء من القرآن، بخاصة، قد أظهرت الدراسات أن نسبة العودة إلى السجون تقريبا (20% إلى 30%) من عدد السجناء المفرج عنهم.////
وتوجه الكثير من الدول في استبدال السجن بالعقوبات البديلة لجرائم الجنح البسيطة فقط، فدولة قطر طبقت نظام التشغيل الاجتماعي (أعمال اجتماعية يكلف بها المحكوم عليه وفق ضوابط وإجراءات معينة) والجزائر طبقت نظام العقوبات البديلة على 7500 سجين، وحددت البحرين العقوبات البديلة كعقاب لم يقل حكم سجنه عن 3 أشهر، وتطبق تركيا العقوبات البديلة عن الأحكام التي تصل إلى شهر فما دون.////الغرامة اليومية::::
بالتجارب الأوروبية وأيضا في الجنح البسيطة فقط؛ تعد الغرامة اليومية من العقوبات العامة التي ينص عليها مثلا قانون العقوبات السويدي في الفصل الخامس، وتحسب على أساس عدد الايام منسوباً للدخل الفردي وتقدر على أساس حد أدنى هو 120 يوماً، ويجوز رفع هذا الحد الأقصى إلى 180 يوماً في حالة خاصة ترتبط بجسامة الجريمة، ويعتمد القانون الهولندي على التعليق الجزئي أو الكلي للحكم الصادر بعقوبة تقل عن سنة سجن، وقد تطور هذا النظام وأصبح للقضاة حالياً جواز تعليق النطق بالحكم الصادر بعقوبة تصل الى ثلاث سنوات./////
وفي النهاية، نقول ان بدائل إدراج بدائل للعقوبات السالبة للحرية في التشريع الجزائي العراقي باتت ضرورة، مثل: نظام شبه الحرية، ونظام الاختبار القضائي، ونظام المراقبة الالكترونية، ونظام العمل لمصلحة المجتمع، تفادياً لعقوبة الحبس قصير المدة فقط؛ لتجنب مساوئها، وآثارها السلبية على الفرد والدولة في آن واحد.