الإشكاليات والتحديات التي تواجه عملية إعتماد دوائر انتخابية أدنى من مستوى محافظة

 

الدائرة الانتخابية هي إحدى المناطق الجغرافية للانتخابات التي يتم اعتمادها لعموم البلد أو تقسيمه الى مناطق لغرض اجراء الانتخابات ، حيث يخصص لكل منها مقعد تمثيلي واحد أو أكثر في الهيئة المنتخبة. ويمكن للدوائر الانتخابية ان تستند الى التقسيمات الإدارية القائمة أو أن تكون تقسيمات انتخابية مستقلة . وهي تشمل عدة انواع، فهناك دوائر أحادية التمثيل وهي التي تنتخب ممثلاً واحداً عنها لتمثيلها في الهيئة المنتخبة ، وأخرى متعددة التمثيل وهي التي تنتخب أكثر من ممثل واحد عنها للتمثيل.

ويمكن القول انه لا يوجد منهج واحد مستقل لترسيم الدوائر الانتخابية في عموم العالم ، إذ أن القرارات الفنية كثيرا ما تخضع لتأثيرات سياسية بهذا الشأن وفقا للمصالح السياسية للأطراف المشاركة ولاسيما المؤثرة في العملية السياسية لكل بلد.

ترتبط نوعية تقسيم الدوائر الانتخابية بتحديد نوع النظام الانتخابي المعتمد الذي هو بالمعنى الواسع يعمل على تحويل الأصوات المدلى بها في انتخاب عام إلى مقاعد مخصَّصة للأحزاب والمرشَّحين ، ومن بين المتغيّرات الأساسية في ذلك هو وزن الدائرة (ليس عدد الناخبين الذين يقطنون الدائرة، بل عدد المقاعد المخصَّصة لها).

وهنالك العديد من مناهج تقسيم الدوائر الانتخابية ، إذ قد يجري التقسيم تبعا للوحدات الإدارية وذلك بتقسيم البلد إلى عدد محدد من الدوائر الانتخابية (مقاطعات ، أو ولايات ، أو محافظات أو أدنى من ذلك) مع مراعاة زيادة عدد المقاعد داخل الدائرة نفسها تبعاً لزياد عدد السكان ، إذ قد يجري الى تقسيم الدوائر الانتخابية في البلد إلى عدد ثابت طبقا للحدود الإدارية للممحافظات ، مما يعني أن عدد الدوائر ثابت ومحدد من الناحية الجغرافية ، لكنه متغير ـ تبعاً لعدد السكان - من حيث عدد المقاعد . ( كأن يكون هناك مقعد لكل 100000 ألف نسمة ) الأمر الذي يجعل عدد المقاعد يتغير تبعاً لتغير عدد السكان في الدائرة الانتخابية بالزيادة أو النقصان.أو تُقَسَم الدوائر بالاعتماد على عدد الناخبين وفقا لسجلاتهم المعتمدة.
أو يجري تقسيم الدوائر الانتخابية تبعاً لعدد المرشحين كأن لا يقل عدد المرشحين فيها عن عددٍ معين - وبحسب ما ينص عليه القانون - ولا يزيد عن الحد الأعلى من عدد المقاعد المخصص للدائرة الانتخابية.
وفي العراق تظهر صعوبة ( أو استحالة ) تقسيم البلد الى دوائر انتخابية صغيرة ( فردية ) بحسب عدد المقاعد المخصصة للانتخابات ( سواء البرلمانية أو المحلية ) ، وذلك لعدم وجود قاعدة بيانات يمكن الاستناد إليها في التقسيم الى دوائر انتخابية متماثلة في عدد الناخبين ، بسبب عدم وجود بيانات حديثة للتعداد العام للسكان ، كما ان صعوبة تقسيم البلد ( او المحافظات ) الى دوائر انتخابية صغيرة ، ينجم عنه أيضا صعوبة تنظيم سجل ناخبين خاص بهذه الدوائر ، لكون قاعدة البيانات التي تعد المصدر الوحيد لسجل الناخبين ( وهي قاعدة بيانات وزارة التجارة ) لا يعتمد عليها لاعداد هذا النوع من السجلات والتي يجب ان تستند على التوزيع الجغرافي لا التوزيع التمويني المعتمد على وكلاء الغذائية .

ففي النظام المؤلَّف من دوائر أحادية المقعد ، لا بدّ من اللجوء إلى عملية صعبة ومكلفة تقوم على التقسيم الى دوائر صغيرة نسبياً، مع الأخذ في الحسبان عدد السكان، ووحدة المصالح والتجاور.

ونادراً ما تكون هذه المهمة نهائية، إذ ينبغي تعديل الحدود بصورة دورية تبعاً للتغيّرات الديموغرافية.

ومن الجدير بالذكر أنه كلما زاد عدد الممثلين في الدائرة ، وقلت الحدود المطلوبة للتمثيل في الهيئة المنتخبة كلما كان النظام الانتخابي أكثر تناسبية.
وفي العراق نجد انه كلما تقترب الانتخابات ، يكون الحديث عن نوع النظام الانتخابي وصيغة توزيع المقاعد في الهيئة المنتخبة ، وتقسيم الدوائر الانتخابية من الاولويات في النقاشات التي تدور في مختلف الأروقة.
ففي هذه الايام ، يجري الحديث كثيرا عن اعتماد دائرة انتخابية فردية باعتماد نظام الأغلبية / الفائز الاول بين المرشحين عن كل دائرة ، ولعل هذا النظام له مزايا متعدة كونه ينصف المرشحين ولايعمل على ضياع اصواتهم او ترحيلها الى مرشح آخر كما هو الحال ضمن النظام النسبي المعتمد حالياً، إلا أن هذا النظام يواجه العديد من الإشكاليات والتحديات بشأن تحقيقه ، لعل في مقدمتها ضرورة اجراء توزيع شبه متساوي لأعداد الناخبين في الدوائر المعتمدة ، وذلك يتطلب توفر قاعدة بيانات التعداد العام للسكان ، لكي تكون ساندة لقاعدة بيانات سجل الناخبين المعتمد في الانتخابات حاليا والتي بُنيت على اساس قاعدة بيانات البطاقة التموينية ، وحيث ان المعايير الدولية المعتمدة تجيز نسبة لاتتجاوز 10% زيادة او نقصان بين دائرة واُخرى ، فعلى سبيل المثال ولدى زيارتنا للمفوضية الأسترالية عام 2011 , وجدنا ان هذه القارة التي كان يبلغ نفوسها آنذاك (15000000) نسمة مقسمة الى (150) دائرة انتخابية ، كل دائرة ينبغي ان تضم (100000) ألف نسمة ، والحد المسموح به لزيادة او نقصان العدد هو 10% ، اي لا يزيد عن (110000) الف نسمة ولا ينقص عن ( 90000) الف نسمة .

هكذا هي المعاير المعتمدة في اغلب بلدان العالم ، وأي حديث آخر عن إنشاء دوائر انتخابية بأعداد سكان خارج هذه القياسات هو منافي لمعايير الانتخابات العادلة والنزيهة المعتمدة دولياً.

المطلب الثاني لتحقيق إمكانية انشاء دوائر انتخابية فردية صغيرة ذات ممثل واحد أو ممثلين ، هو وجوب توفر حدود ادارية معتمدة رسميا بين الأقضية والنواحي أولاً ، ثم التخطيط لتقسيم النواحي - ان كانت أعداد سكانها تتطلب ذلك- الى دوائر اصغر كأن تكون بعدد ( 100000) الف او ( 200000) الف نسمة.
وهناك رأي يقترح اعتماد القضاء كدائرة انتخابية ، وهنا تظهر تحديات اعتماد قاعدة بيانات البطاقة التموينية بهذا الخصوص ، اذ ان من إشكالياتها هو ان المراكز التموينية ليس موزعة بحسب الأقضية ففي الوقت الذي يشتمل فيه احد الأقضية ببغداد مثلا على ثلاثة مراكز تموينية بحسب قاعدة بيانات وزارة التجارة لعام عام 2007 ، وقد أصبحت ستة مراكز في هذا القضاء عام 2010 ، نجد أن مركز تمويني في أحد المحافظات يخدم قضائين.
ان الجوانب العملياتية الدقيقة ينبغي ان يلتفت اليها المشرع لدى تعديل او صياغة اي قانون للانتخابات لانها مؤثرة بشكل كبير في صياغة اجراءات سليمة للعملية الانتخابية.
ما قدمته في اعلاه لا يعني استحالة التنفيذ بقدر ما يعني وجود تحديات وصعوبات يمكن تجاوزها من اجل انشاء دوائر انتخابية أدنى من مستوى المحافظةمع انها لن تكون بمستوى الطموح -من خلال تطوير الخطة الفنية العملياتية الدقيقة التي وُضعت في المفوضية منذ عام 2008 ، لدى دراسة مدى إمكانية اجراء انتخابات مجالس الأقضية والنواحي ولكنها لم تنفذ نظراً لإعطاء الاولوية لانتخابات مجالس المحافظات 2009 ، وقد تلتها انتخابات مجلس النواب 2010 , وبقيت بحاجة الى قرار للتنفيذ فيما بعد .

وسط هذه التجاذبات وعدم وجود إرادة حقيقة واضحة للانتقال الى اعتماد دوائر انتخابية أدنى من المحافظة ، او لإنجاز انتخابات الأقضية والنواحي ، يبقى البقاء اعتماد المحافظة كدائرة انتخابية هو الحل الماثل حاليا وليس الأمثل .