بان وأخواتها |
على مجموعة ” مهندسون زراعيون ” الواتساب التي جمعتني مع نخبة طيبة، هنأت زميلتي بتبوئها منصب مسؤول شعبة أعلام مديرية زراعة البصرة، وأنا أعد صورة طوق الورود واطرزه بعبارة التهنئة، تبادر الى ذهني سؤال : كيف للمرأة أن تشق طريق النجاح والتميز وسط مجتمع شرقي – ذكوري – يحمل بعضه تصورا خاطئا، ان عليها أن تبقى حبيسة دارها، امر مضحك ومثير للسخرية حين يتصور البعض أن واجباتها لا تتعدى أعداد الطعام، غسل الملابس، تربية الاطفال وباقي الاعمال المنزلية الاخرى، مفاهيم تنضح حقدا وكراهية لها ويروجها البعض، نحن معشر الرجال ، ولأنني أحمل مفهوما مغايرا أقول وبملء فمي: أنا واثق تمام الثقة أن النجاح سيكون حليفها، ثقتي لم تأت من فراغ، شواهد كثيرة بعضها داخل مجموعتنا وأخرى خارجها، مبدعات أدرن مفاصل مهمة وحيوية في عملنا الزراعي، وحققن نجاحات كبيرة بمواقع عديدة، وبقدرات فاق بعضها مقدرة الرجال، أتحدث عن هذا الأمرِ دون همس، أو خوف أو وجل، لا أدري لماذا يتغافل البعض عن نجاحات المرأة، رغم علمه أن فن الادارة يحتاج الى العقل لا الشوارب الغليظة. ولمن يشككون بمقدرتهن اقول: أتمنى عليكم ان ترفعوا رؤوسكم وتنظروا الى الصور المنتشرة على جوانب الطرقات وقرب المدارس وتحصوا أعداد المتفوقات في الامتحانات الوزارية، ستجدونهن قد تتخطين أعداد الذكور ولو سال أحدكم العم كوكل عن المرتبة الاولى على العراق هذا العام والاعوام التي تلته، سيجد المرأة في القمة، وهل أن الثلاثة الاوائل في عام سابق كلهن أناث جاء من قبيل المصادفة . قصص الابداع الكثيرة والمتنوعة لأبداع المرأة، أحداها قصة (بان) بنت الثلاثة عشر ربيعا، تسكن مع أختها وابويها منطقة البرجسية غرب البصرة، قبل ايام اتصل بي ابن عمي الذي يعمل مهندسا مع والدها في شركة الحفر العراقية طالبا مني ان اقيّم ما كتبته بان، أجبته على الرحب والسعة، ومن على تطبيق الواتساب بعث لي جزءين من روايتها الاخيرة، للوهلة الاولى شككت في أن ما مكتوب نتاج بنت في الثاني متوسط، حبكة النص وبنيته المتماسكة القوية، ناهيك تسلسل الاحداث، لكن اللافت للنظر أسماء الشخوص ليست عربية والاحداث تدور في المجتمع الكوري، ولدى السؤال والتقصي، عرفت من ابيها ان المجتمع الكوري محور اهتمامها الاول، وانها عاكفة على تعلم اللغة الكورية وقد قطعت نصف المسافة باتجاه هدفها، وان لها صديقات هناك، ففضولي دفعني لمعرفة المزيد والتحدث اليها، لم يمانع ابوها وقال لي: هي ابنتك مثلما ابنتي، مرت الساعات وئيدة ثقيلة بانتظار الموعد الذي اتفقنا عليه عند المساء، بانتظار لقاء (بان) المسرعة بخطواتها التي تتجاوز عمرها. دار حوار جميل مع الكاتبة الجميلة، حوار مفعم بالأمل الكبير والامنيات السائرة على درب الاصرار، تحدثت لي بان عن تجربتها في الكتابة، ولم تخف عشقها لكوريا واللغة الكورية، فلقد وجدت في صديقاتها هناك ما يفتقده مجتمعنا للأسف الشديد، حب العمل والتفاني من أجله، الرقي في التعامل والقيمة العليا للإنسان، كلها اشياء جعلتها تتعلق بذلك المكان حتى أمسى قلبها مشغولا فيه، وما زادني فرحا انها تلج هذا العالم بحصانة قيمة واخلاق كبيرة، فما غرسه فيها ابواها من ثقافة وخلق اثمر خيرا كبيرا . دونت على صفحات مذكراتي ما قالت وما لم تقل، أعادتني (بان) بذاكرتي لأيام خطواتي الاولى نحو هذا العالم الانيق، أيام كنت أوفر مصروفي اليومي وأحرم نفسي الحلويات لأشتري الكتب والمجلات، والسهر على ما يكتبه الاديب الكبير جبران خليل جبران والبكاء على ابطالها. وعلى الرغم من تعثر الاتصال وانقطاعه المتكرر، الا اني حرصت على الاستماع اكثر من التحدث والاستفادة والتعلم من ابنتي (بان) بعمرها الصغير وعقلها الكبير، ومنذ ان انتهى الاتصال لازمني ولم يفارقني حتى الساعة سؤال، جوابه بسيط اتركه للقارئ الكريم: هل يأتي اليوم الذي نجد فيه المسؤول حريصاً على الابداع والمبدعين، حريصاً على احتضان (بان) واخواتها المبدعات ؟
|