رواية من زمن العراق ج ١٧ ويروى ...ان العيد هو فرحة الاطفال..

وتتحدث الامهات لابنائهن بعد تهيئتهم لاستقبال العيد حكاية ذلك العيد السعيد وهو يقطر خلفه عربة الهدايا للاطفال ويجلب لهم مراجيح الفرح والعاب عجيبة رسموها في مخيلتهم من قصص الاباء والاجداد..

كانت العادة ان تشتري العوائل قطع القماش (البازة /البوبلين/الكدري )للاطفال ويذهب به الى خياطة ماهرة معروفة في الزقاق لخياطته على مقاساتهم مع مراعاة احدث التصاميم في حينها وفي كل الاحوال كانت هنالك بعض الكتلوكات البسيطة للملابس المناسبة لهذه الفرحة وبعد استلامها تحفظها الام لحين قدوم يوم عرفة لتهيي حماما ساخنا للاطفال قبل اذان المغرب ويراعى حلاقة شعر الذكور اجباراً قبل العصر كدليل على النظافة والنقاء حاله كحال الحجيج في الحلق ويكسى بعدها بملابس العيد .

ينام الطفل بعدها بجوار امه مستيقظا تارة وغافيا اخرى املاً ان يرى عربة العيد ولو لوهلة واحدة كما رسمتها له امه التي نامت تهالكها تعب التحضير والاعداد لايام العيد القادمة .

ليصحوا في صباح العيد على اصوات اعداد الفطور وكلمة (ايامكم سعيدة ) فيعلم ان عجلة العيد قد مرت ولم يحالفه الحظ برؤيتها ولكنه يؤمن بمرورها في زقاقهم لان الناس مستبشرة بالخيرِ، ناضرة الوجوه،سخية في اكرامه بدراهم تسد تطلعاته في اللهو والتسالي..

يصحوا الاطفال من نومتهم ويكون الاهل قد عادوا من زيارة مقابر اعزائهم ووزعوا ما يمكن توزيعه من الطعام والمعجنات على الفقراء المنتشرين في الطرق او الاضرحة المقدسة .

ليستمر العيد فرحة استرخاء وتزاور وتسامح وتعارف على مدى ايامه الخفيفة يلطفها ما تعرضه القناة العراقية من برامج العيد الغنائية والترفيهية وافلام السهرة او المسرحيات التي ينطلق عرضها في ايام العيد.

كانت للسينما والمسرح حضور مميز يعطي للعيد اريجاً وبهجة منقطعة النظير من خلال اطلاقه برامج مسرحية وسينمائية محتشمه ذات جودة عالية هذا من جهة ومن جهة اخرى الزام دور السينما والمسرح بحذف العبارات او المقاطع المخلة بالادب العام وتوفير مكان مخصص لجلوس العائلة في دور العرض .

ولغاية بداية ١٩٨٠_فان الناس كانت تحاول قدر المستطاع ان تخلق الفرحة على وجوه بعضها البعض في ايام العيد على الرغم من مأسي الحرب العراقية الايرانية وغياب معظم ارباب الاسر في جبهات القتال ايام الحرب العراقية الايرانية الى ان طال امدها وزاد سعار لهيبها بشباب الوطن .

فشرعت اثارها السلبية تتسارع بالظهور على رضا المجتمع وسعادته وشعوره بالانتماء الوطني والوظيفي والشد العصبي وانتشار ثقافة العصبية والتسلح المدني .

ان تلك الحرب البائسة اخرست معظم تقاليد المدينة العراقية في الاعياد والمناسبات بل حتى في التعامل اليومي والسلوكي بسبب ضعف الامن النفسي داخل الاسرة وبروز مظاهر القمع الفكري المنظم من قبل الدولة وزرع عناصر ووكلاء في ادق مفاصل المدينة كان واجبها مراقبة المجتمع وتعنيفه لان النظام يعلم في حقيقة الامر ان حربه تحتاج الى تعبئة بشرية تعوض الاستنزاف اليومي في ارض المعركة.

مارس النظام السابق شتى انواع التوجيه المعنوي والاعلامي والتقييد الفكري على الهوية العراقية البسيطة التي تؤمن بالتنوع والرأي والبساطة من اجل ان يمد زخم المعركة ولم يعترف بانحرافات الحرب الواضحة وتأثيراتها الكبيرة على المجتمع .

ان فقدان رب الاسرة او عدم تواجده في وضع آمن اثناء العيد او المناسبات واستمرار المعارك في معظم ايام السنة واستمرار قوافل الشهداء الى كل ازقة العراق بالتساوي يوميا كان امراً جلل ادى الى تنغيص الفرحة واختزالها على العاب بسيطة للاطفال تسمى (الفرجه) شاعت منتصف الثمانيات ولغاية الان واصبحت بديل عن المسارح والسينمات والاماكن الترفيهية الاخرى .

والسبب لان العائلة العراقية فقدت الامان النفسي والمدني بالحياة وامست رؤيتها للواقع قلقه ومشوهة نتيجة الحرب والصراع والازمات العاصفة منذ اكثر من اربعة عقود.

وسيبقى العيدُ عيد اطفال الى اجل مسمى ..

احبتي كل عام وانتم بالف خير ونتمنى لكم عيدا سعيدا وصحة وعافية وان يعم الامن والامان في ربوع العراق .