التربية والتعليم العالي العراقي: النجاح بالواسطة .. غشك من ارضاك بالباطل 2

غالبا ما تتعرض الهيئة التدريسية وادارات المؤسسات التربوية والتعليمية لضغوط شديدة لغرض فرض تقييم غير صحيحة للطلبة او لبعض الطلبة (والسائد هو تغيير تقييمات بعض الطلبة دون استحقاق). ان هذه الضغوط سائدة في العراق منذ عدة عقود ونتج عنها تقبل كبير لمفهوم المحسوبية والواسطة في مختلف الاوساط الوظيفية. ان عدم احترام عتبة النجاح (درجة النجاح) بسبب التاثيرات والضغوط المختلفة كان له الاثر السلبي العظيم في تدهور المؤسسات التربوية والتعليمية في البلد. كما اصبح من لا يتقبل هذا الامر وكانه منبوذ ضمن وسط عمله وكان يغرد خارج السرب بقيم سامية لا يتقبلها المجتمع الا كقيم وشعارات كتب فقط. ان هذه الظاهرة السلبية بحاجة الى علاج فعال وناجع ضمن مؤسسات التربية والتعليم. ان التدريسيين في احيانا كثيرة وبسبب ضعف تطبيق القانون وضعف الاجهزة الامنية اصبحوا عرضة للتهديد ويتم وارهابهم لغرض الرضوخ لهذا الامر والسبل كثيرة ومتنوعة في هذا الشان. احيانا تكون الضغوطات عشائرية او اجتماعية واحيانا حزبية واحيانا من مسؤولين في المؤسسة التعليمية نفسها وكانهم لا يعرفوا ماذا يعني قيم تربوية وماذا تعني امانة ونزاهة؟!
ان السياسي والبرلماني وحتى الاداري الذي جاء وفقا للمحاصصة السياسية يعمل على كسب الاصوات وكسب راي الجمهور حتى ولو كان ذلك على حساب المصلحة العاملة للمجتمع، وهنا يحصل توافق ما بين الثقافة المجتمع السلبية بهذا الخصوص مع قصور الرؤية للسياسي والاداري الانتهازي الذي يسعى للبقاء في منصبه او كسب الاصوات حتى لو كان ذلك على حساب الوطن وانهيار قيمه وبناءه الصحيح. اذكر هنا عبارة لتشرشل اثناء الحرب العالمية الثانية عندما الالمان كانوا يقصفون لندن بشدة ((قابله مجموعة من المواطنين البريطانيين بالقول : لقد تهدمت البلد، فسألهم : ما وضع القضاء والتعليم …؟ فقالوا له: مازال القضاء والتعليم بخير فقال لهم: إذن البلد بخير فلا تخافوا)). اذن التعليم يعتبر ركيزة اساسية في خير البلد ونهوضه وصموده. لذا يجب الاهتمام بالتعليم ومنع انهياره. ان الضغوطات كبيرة ومستمرة ولا يمكن ان تنقطع ما لم يتم علاجها جذريا. فهل نرسل ابنائنا للتعلم ام للحصول على الشهادة فقط؟! فكيف سيتم البناء بمن تخرج وهو لا يستحق النجاح؟
اذن يجب ان يكون هناك علاج حقيقي لجميع الظواهر السلبية التي تعمل على تدمير التعليم في البلد، واليوم يجب رفع شعار ؛؛ غشك من ارضاك بالباطل؛؛ كشعار اصلاح وطني في مؤسسات التربية والتعليم . ان الغاية الاساسية للدراسة هي التعلم وليس النجاح فما فائدة نجاح مزيف ورقي بلا علم وبلا معرفة ودون الحصول على ما يكفي من الخبرة العملية. يجب تقديس قيم النزاهة والامانة وجعلها قيم اخلاقية واجتماعية عليا لغرض معالجة هذا الداء المستشري بشكل كبير في المجتمع.
بالتاكيد اي مجتمع يعمل على ان يحقق ابناءه نجاح مزيف وعبورهم بالغش والزيف والكذب للحصول على وثيقة وشهادة سيكون على حافة الانهيار. وان من يحصل على نجاح دون استحقاق فان عمله بهذه الشهادة وحصوله على الاموال من خلالها سوف يكون محرم شرعا، فمن يهتم لهذا الامر؟! للاسف المؤسسات الدينية لم تعطي هذا الامر ما يستحق من العناية والتوجيه لبيان خطره على المجتمع وبناءه ومستقبله.نتعجب اشد العجب عندما نرى قيادات دينية وعشائرية واجتماعية وحزبية وحكومية تعمل باستخدام نفوذها لغرض الضغط بهذه النقطة لاجل تحقيق مصالح شخصية خاطئة (فليس من مصلحة من لا يستحق النجاح ان ينجح) ونرى ان هذه القيادات لا ترى اي خلل في طلبها بل بالعكس تماما لانه ينسجم بشكل كبير مع ثقافة المجتمع السلبية. هنا يجب التركيز على اصلاح هذه النقطة على مستوى التعليم في كل من وزارتي التربية والتعليم العالي. وان يتم ترويج ونشر ثقافة تقديس النزاهة والامانة وتحريم النجاح دون استحقاق والقضاء على ما هو متعارف عليه بالواسطة واعتبارها عار اجتماعي لكل من يتعامل بها. كما يجب ان يكون ضمن مناهج ومفردات وزارة التربية مفردات تعريفية عن حقوق وواجبات الطالب واخلاقيات التعامل مع منتسبي المؤسسة التعليمية. وان يكون الطالب متنبها لما قد يسببه اي خرق لهذه الاخلاقيات.
قلنا ما نعتقد ونتقبل النقد والحوار الهادف لاجل اصلاح ونهوض امة العراق..