آدم و دارون: الآية المدهشة .. 3 بقلم/ د. حيدر محسن جارالله |
العراق تايمز: كتب د. حيدر محسن جارالله منذ سني تعلمنا الاولى ، و بحسب المدرسة التقليدية كانت الآية الأكثر تركيزا على خلق آدم المباشر هي هذه الآية من سورة البقرة المفسرون انشغلوا في هذه الآية عن الموضوع الأساس الذي ساوضحه لكم بعد قليل ... انشغلوا بحديث الملائكة و لماذا افترض الملائكة صفة الإفساد و سفك الدم في المخلوق الجديد و طرح الدارسون عدة نظريات تفسر هذا التوقع من الملائكة و ما هي الدوافع وراء قولهم هذا و غاب عنهم البحث في نص القول الرباني " اني جاعل في الارض خليفة " اجل لقد تَرَكُوا كمية المفاتيح الهائلة في العبارة الاساسية و التفتوا الى القشور. فلنبحث الآية بأسلوب لغوي و علمي اولا ماهو ( الجعل ) ؟ هل هو الخلق ام ماذا ؟؟ ( أ ) ۞ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ انظر لعبارة اني جاعلك للناس اماما ( ب ) وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ هنا ايضا الله سبحانه يتحدث عن موسى و هو يوحي الى أمه ( انا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين ) . و ايضا موسى موجود أصلا و كل الذي طرأ بفعل جعل هو التغيير الذي بشر الله به ام موسى بانه سيصيره مرسلا في مقبل الايام اي سيحوله الى نبي . ( ج ) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ و هنا كذلك فعل الجعل يفيد التغيير و البشارة بفوقية الذين اتبعوا عيسى على الكافرين . ( د ) الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هذه الآية لطيفة لانها نسخة مشابهة لأية جعل آدم ( ه ) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا(7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا و بنفس الصيغة يتحدث الله عن مخلوقاته على الارض النتيجة و ببساطة ان فعل الجعل و كلمة جاعل تفيد التغيير على شئ موجود أصلا و لا تفيد الإيجاد من العدم او الخلق بنظرة أعمق ان الله يتحدث للملائكة عن اعطائه صفة الخلافة لمخلوق موجود و السؤال الذي يتبادر للذهن الان ان فعل جعل يأخذ مفعولين و في الآية محل البحث لم نرَ الا مفعولا واحدا هو خليفة فأين المفعول الثاني ( المجعول ) ؟ كل المخلوقات عرضت عليهم هذه الأمانة و حملها الانسان .. انها أمانة الاستخلاف في الارض و قيادة كل مخلوقات الله الاخرى على هذه البسيطة . لقد تحول الانسان ( الهومو سابينس ) من مجرد كائن من بين ملايين الكائنات الى المسيطر على كل الطبيعة يسخرها و كائناتها لخدمته و رفاهيته و تحول هذا النوع الذي نشأ و ارتقى مثل بقية الأجناس عبر ملايين السنين الى الجنس المسيطر على كل هذه الارض . خلاصة الحديث ان الآية التي طالما استند لها أنصار الخلق المباشر لا تعطي ما أرادوا من معنى بل انها تثبت وجود الجنس البشري سابقا على الاستخلاف و هنا يتضح لنا سبب تساؤلات الملائكة فهي تساؤلات من شاهد و عرف المتحدث عنه و اسلافه من البشر و أشباه البشر . ان هذه الآية مدهشة لي فعلا في مقدار تكثيفها للقصة ودقتها في الوصف و غموضها المقصود حتى تلائم كل العصور . لقد توخيت التبسيط و الاختصار قدر الإمكان و لكن اعذروني على الاطالة رغم هذا للحديث بقية نتصفح به نص قرآني اخر يحتج به أنصار الخلق المستقل ضد الداروينيين اشكر طول بالكم |