إنه من العبث الشك في قدرة الإنسان على الجمع بين الإيمان بالله ونظرية التطور في نفس الوقت


يتعامل الكثيرون من مؤيدي نظرية التطور مع الدين على إنه عدو وإن نظرية التطور أداة لضربه !
والحال إن نظرية التطور ممكن القبول ببعض ما جاءت به دينياً، وذلك لأن نظرية التطور جاءت بأمرين أساسيين الأول: التشابه الموجود بين الكائنات الحية، والثاني: تفسير هذا التشابه على أساس النشوء والارتقاء والسلف المشترك.
الشق الأول لا ينكره أحد وهو ملحوظ قبل نظرية التطور ولكن نظرية التطور أكدته وأكثرت من أمثلته ودخلت في تفاصيله أكثر، ولكن الشق الثاني هو محل الخلاف إذ هناك من يرى إن تفسير نظرية التطور للتشابه يقود لنفي الحاجة لوجود خالق للحياة فالأمر يسير بالصدفة أو بالشواش أو بالانتروبي عبر ما شئت المهم إنها لا حاجة لخالق!
والحال إن هذا اللازم غير ضروري فحتى لو قلنا إن نظرية التطور هي التفسير الوحيد للتشابه ما ينتج عنه من اشتراك فإن الجمع بينها وبين الإيمان بالخالق ممكن لاعتبارين: الأول: إن افتراض وجود توجيه بإدارة عملية التطور هو الافضل والأكثر مقبولية من الصور المعقدة لإدارة العملية بدونه.
الثاني: حتى لو افترضنا إنها تمت بدون تدخل الخلق فهذا لا يعني عدم وجود الخالق فنظرية التطور لا تكشف ولا تتحدث عمن صنع الكون!
على أية حال بالتأكيد هذا الكلام مختصر ولا يكفي البعض ولكن موضوع الجدل الديني بشأن نظرية التطور ليس وليد اليوم بل إنه قدر رافقها منذ أول الحديث عنها ولا زال مستمر وكذلك الجدل العلمي، وافضل دليل على ذلك النص الذي عنونا به كلامنا فهو ليس من اختراعنا بل هو كلام داروين مؤسس نظرية التطور نفسه!
نعم كلام داروين إذ قال بالنص :" It seems to me absurd to doubt that a man may be an ardent theist and an evolutionist." وقد ذكر هذا النص في مقدمة رسالته المرسلة بتاريخ 7 آيار 1879 إلى "Down Beckenham" وفي الرابط أدناه مجموعة من رسائل داروين المرتبطة بنظرته للدين ومن ضمنها هذه الرسالة:
http://inters.org/Darwin-God-Evolution
أو تجدها بشك منفرد على هذا الرابط:
http://www.darwinproject.ac.uk/letter/DCP-LETT-12041.xml
بقي كلام مهم هل داروين ملحد؟ وما سبب إلحاده؟
داورين توقف عن الذهاب للكنيسة بعد وفاة أبنته بحسب سيرته في موقع ويكيبيديا، وبحسب الرسائل التي تحدثنا عنها سابقاً فإنه تارة يعبر عن نفسه بالمؤمن ويدعو للتوفيق بين نظريته والإيمان ويقول إن عدم تصور الجمع بينهما غريب أو سخيف، بل إنه في بعض رسائل يقول بوضوح : "that all these laws may have been expressly designed by an omniscient Creator, who foresaw every future event & consequence." أي إن "كل هذه القوانين ربما تكون مصممة من قبل خالق كلي المعرفة أو العالم بكل شيء، والذي تنبأ بكل حدث في المستقبل وعواقبه" وقد ورد هذا النص في رسالته المعنونة إلى "Down Bromley Kent" بتاريخ 22 آيار 1860 وتجدها ضمن نفس الرسائل في الرابط الأول الذي ذكرناه سابقاً.
وتارة يصف نفسه بأنه لا أدري، ولا وجود لنص بحسب تتبعي يصف نفسه فيه بأنه ملحد، ولا أدريته لم تستمر فبحسب عائلته فإنه رجع إلى إيمانه وتخلى عن اللأدرية في أيامه الأخيرة بحسب سيرته على موقع ويكيبيديا نقلاً عن عائلته.
إذن فهذا النزاع الديني التطوري أو العكس إن صح التعبير غير مفيد وغير منتج علمياً فالنظرية تبقى فرضية على مؤيديها أن يكبحوا جماح طموحاتهم ومبالغاتهم بشأن ما يستنتجونه منها وتعصبهم لها اكثر من داروين نفسه ومحاولتهم لجعلها أداة لضرب الدين لأنها ليست كذلك وردود أفعال المؤمنين بالأديان هي بسبب هذا التوظيف وبسبب هذا الجموح في الاستنتاجات وليس بسبب النظرية نفسها وعلى المؤمنين بالأديان مناقشتها بعلمية وموضوعية