الرؤية المشوشة للدولة بشان العقيدة الامنية

احاول في هذا المقال تعقب مسار مفهوم العقيدة الامنية بالعراق ،حيث شهد تحديد لهذا المفهوم لدى اغلب دول العالم (عقيدة امنية وعقيدة عسكرية ) ولكل واحده منها تعريفها واهدافها ومرتكزاتها ومحدداتها واليات تنفيذها ، ولو نظرنا ببساطة ما يدور حولنا اقليما لوجدنا لكل دولة مجاورة لنا حريصة بادائها وفق عقيدة بلدها الامنية ، تركيا  وايران والسعودية والاردن والكويت لديها وضوح بعقيدتها الامنية واخرى عقيدة عسكرية ، واني اترك الشان العسكري لذوي الاختصاص.                                        

 واناقش موضوعا مهما هل لدينا عقيده امنية ؟؟ ماهي مفاهيمها ومرتكزاتها ؟؟ وهل للسياسي دورا بصناعتها ؟؟  واذا لم تكن لدينا عقيدة امنية واضحة فاننا نعمل بالفراغ والفوضي ولا يمكن ان نتبنى اي مشروع ستراتيجي امني مستقبلا ،واين نحن من هذه الفوضى، اذا لم تكن لدينا تلك العقيدة  ،من يرسمها لنا ؟ السياسيوون او المفكرون ام الامنيوون ؟ كل هذه الاسئلة تحتاج الى اجوبة واضحة ، وسنوضح بايجاز ما المقصود بالعقيدة الامنية ، ان العقيدة الامنية للدولة يقصد بها مجموع الآراء والاعتقادات والمبادئ التي تشكل نظاما فكريا لمسألة الأمن في الدولة، وتتبنى الدول هذه العقيدة عندما يتعلق الأمر بتعاطيها مع التحديات والقضايا التي تواجهها، كما تمنحها هذه العقيدة إمكانية تفسير مجمل الأحداث ذات الطابع الأمني، وبشكل عام يمكن القول أن العقيدة الأمنية للدولة عادة ماتكون الأداة التي تقوم من خلالها الدول بتعريف التهديدات والمخاطر والتحديات التي تواجهها، وعليه فإن الاختلاف في العقائد الأمنية للدول هو الذي يحدد الاختلاف وطبيعة المخاطر والتهديدات التي تواجهها، فالعقيدة الامنية تمثل تصورا أمنيا يحدد المنهجية التي تقارب بها الدولة أمنها، كما يحدد كذلك افضل السبل لتحقيقه، وعليه عادة ما تكون مرجعية هذه العقيدة عبارة عن أطروحات نظرية تتبناها الدولة وصناع القرار فيها، كما يمكن أن تأخذ صبغة إيدولوجية إذا وصلت حد النظام الفكري المتجانس والمتناغم الذي يوفر تفسيرات معينة للواقع، ويترتب على ذلك التبني في المجال الامني لهذه التفسيرات والرؤى ، بالرجوع الى مرتكزات العقيدة الامنيةلاي دولة فان عوامل كل من التاريخ والجغرافيا والايدولوجيا لها التاثيرالواضح على تلك العقيدة ،          

ويمكن ان نعتبر احد اهم روافد العقيدة الامنية العراقية اذا تمكن المفكرون والسياسيوون من الضرورة الوطنية لكتابتها ، فان للتاريخ دوره في بلورة هذا التصور ومصدرا ذا قيمة لهذه العقيدة الامنية وذلك لعدة عقود ،كان يكون في فترة الحكم الملكي المحافظة على الملكية ، وفي العهد الجمهوري المحافظة على النظام الجمهوري كما ورد بالدستور العراقي سابقا ، وخلال ثلاث عقود سابقة كانت العقيدة تتركز على (المحافظة على مكتسبات 17 تموز والحزب الواحد) وقد اثرت الايدلوجية الاشتراكية على مبادئ واهداف العقيدة الامنية لفترة تقارب ثلاث عقود مضت ، اما منذ ثلاثة عشر عاما الماضية اوضح الدستوربان النظام السياسي الحالي فيدرالي برلماني،  

 كما لظاهرة العنف والارهاب وارتباطهما بقضايا اخرى مثل الجريمة المنظمة ،تساهم في اعادة تشكيل هذه العقيدة الامنية وفق مدركات التهديد الجديدة ، وذلك بالتركيز والبحث عن سبل وصيغ وميكانيزمات للتعاون والتنسيق والتشاور لمحاصرة هذه المخاطر والتهديدات الجديدة ، لكي نصل الى المرتكزات والعوامل التي تساهم في تحديد طبيعة العقيدة الامنية في العراق ،منذ العهد الملكي لغاية الوقت الراهن ، ونشير هنا ان شكل تلك التهديدات تساهم في تحديد شكل هذه العقيدة ، ويبقى ان الاطار العام لتلك العقيدة هو انها انتقلت مع مرور الوقت من كونها تعتمد اكثر على المفهوم الضيق للامن وهو الامن الصلب الى المفهوم الواسع للامن وهو الامن اللين وذلك في ظل التحولات الداخلية والتي يشهدها العالم كذلك خلال العقدين الاخريين.
     فلأجل الحفاظ على امننا والرغبة المعلنة من الاصلاحات سواء كانت سياسية او اقتصادية او حتى على مستوى الاحتراف داخل المؤسسة الامنية ، لا بد طرح جديد للعقيدة  لتتلاءم  وعملية التحول المرن نحو الديمقراطية ، وكذا مواكبة المتطلبات الجديدة التي اخذت تفرضها التحولات التي يمر بها العالم ككل ، وان عملية اعادة صياغة بعض المبادئ التي تقوم عليه العقيدة الامنية لتواكب الترتيبات السياسية الجديدة ، بروز ظاهرة عنف لم يرى العراق لها مثيلا منذ تاسيس الدولة بالعشرينات ، فقد مثل ذلك العنف الذي تزامن مع ازمة سياسية واقتصادية حادة ، تهديدا حقيقا للامن الوطني ، وهو مايسلتزم بالتعجيل في  بلورة عقيدة امنية ، تاخذ في الحسبان كلا من جانبي الامن الصلب والناعم للتعاطي مع هذه الظاهرة المعقدة .    

الخلاصة

وخلاصة التعريف بالعقيدة الامنية للدولة هي مجموع الآراء والمعتقدات والمبادئ التي تشكل نظاما فكريا لمسالة الامن في الدولة ، وهي المبدأ التنظيمي الذي يساعد الدولة لتحديد وترتيب أولويات المصالح الجيوسياسية للبلاد ، ولا يمكن القفز بتحديد سياسة الأمن الوطني للبلد عن طريق العديد من العوامل قبل تحديد نوع العقيدة المتبناة ، وهذا ما حصل حيث انتج على الورق ستراتيجتين للامن الوطني العراقي الاولى 2007 والاخرى 2016 وبقت حبرا على ورق ، وكتب عليها الفشل ، حيث لم تكن نتاجا واقعيا بسبب عدم وجود عقيدة معتمدة تحدد التهديدات الخارجية ، والجغرافيا، والثقافة السياسية، والقدرات العسكرية، والاحتياجات الاقتصادية، ورأي النخبة، الرأي العام (في الديمقراطيات) وتصورات قادتها من مصالح البلاد ، هذا العامل الأخير كثيرا ما يتجلى في ما كان يطلق عليه السياسة الخارجية أو الأمن القومي "عقيدة"، والعقيدة الأمنية الوطنية هي بمثابة دليل وخارطة طريق لتحديد السياسة الخارجية للبلد ، وهنا ادعو الاخوة الاستراتجيون المفكرين والسياسيوون والامنيوون ومراكز الدراسات العراقية بالكتابة عن عقيدة امنية عراقية بدلا من التشظي الحالي ، وعلاقة ذلك بتغيير  الأولويات لدى صناع القرار.