قراءة تحليلية لواقع العراق .... وآفاق امكانية اصلاح الوضع -1

وضع العراق الراهن ، يمكن تشبيهه تماما كسفينة من غير ربان  تمخر في بحر لجي متلاطم الامواج ناشرة الرعب والذعر بين ركابهافما نحن عليه اليوم ، يثير الاسى والاسف لبلد كان سباقا لدول المنطقة في التفاعل والاندماج بالنهضة الحديثة التي سادت العالم بشكل سريع خلال عقود القرن العشرين، حيث اقيمت البنى التحتية لعناوين النهضة الحديثة في كل المجالات ، وارسيت القوانين العصرية التي تنظم شؤون الحياة التي تتلائم ومتطلبات النهضة العصرية الحديثة ، حتى بات العراق قبلة لمواطني دول الجوار والاقطار التي تنتمي للعالم النامي او الثالث كما يحلو للبعض ان يسمي النامي من البلدان بل كان للعراق موقعا افضل بكثير من بلدان الان تتصدر قائمة الدول المتطورة مثل فنلندا والبرازيل والهند ونمور اسيا الاربعة (كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وماليزيا)  وقائمة تطول لبلدان اخرى  ، واذا بنا نعود القهقري مع اطلالة القرن الواحد والعشرين على عكس قانون الحياة الطبيعي ، الذي يفترض ان نبلغ اوج التطور الاقليمي استكمالا لنهضتنا المبكرة ، اما ان نعلق هذه الانتكاسة على شماعة الارهاب ودكتاتورية صدام ، ومخططات البلدان المحيطة التي تريد السوء بالعراقيين والعراق ، وان كان لكل ما تم ذكره من تاثير بالغ الاثر ، الا ان السبب الاكبر هو في طبيعة الرجال التي تقود البلد ، خصوصا اذا ما عرفنا ان للعراق خصوصية تختلف تماما عن بقية البلدان ، حتى الغربي منها ، وهي امكانية تعافيه بشكل سريع ، مهما كان مبلغ الاذى والضرر الذي الحق به ، لان الله شرف هذه الارض فجعلها مأوى كنوزه ، و تحوي بين ترابها قبور الانبياء والاولياء الصالحين والاهم انها تحتضن حماة هذه الارض وهم العترة الطاهرة ، لذلك لا غرابة ان تكون الكنوز الطبيعية والجذور التأريخية في كنف ارضه ، ويكفينا فخرا أن ابا الانبياء ابراهيم عليه السلام من هذه الارض ، كما أن للشعب العراقي رغم المآخذ السلبية في السلوك ميزة وجود العقول المقتدرة التي لواتيحت لها الظروف المناسبة سوف لن يرقى الى ابداعها احدا ابدا ( بالمناسبة قبل ايام نشر تقرير لاحد المنظمات الدولية المتخصصة لمستويات ذكاء الشعوب فاحتل العراق المركز الاول بين الدول العربية)، اقول ذلك بثقة عالية جدا ، لان قراءتي للتاريخ ولما ورد في الاديان السماوية ، تستخلص  هذه الحقيقة التي تجمع على عظمة العراق وسرعة بناءه ان توفرت الارادة ، لذلك اجتمعت وتجتمع عليها قوى الشر لتفتيت عضدها  ، وللاسف لم تستغل هذه الصفة في العصر الحديث من قبل ايا من الحكام الذين تعاقبوا على هذا البلد ، وقد اخبرنا التاريخ ، ان هنالك حضارات شاهقة لها اثارها الايجابية على الحضارة الانسانية جمعاء لغاية يومنا هذا ، اقيمت على هذه الارض عندما توفرت قيادات عرفت كيف تستغل مواقع القوة لهذه الارض ، وهنالك العكس عندما يتولى اشخاص غير كفوئين ،  فيكون البلد عرضة للانتكاسة والاحتلال من قبل الاخرين ، والتاريخ مليء بالامثلة  ،
وفي عراق ما بعد عام 2003 ، توفرت فرص مؤاتية جدا لاعادة وضع العراق على السكة الصحيحة ، حيث كانت الاجواء الدولية متعاطفة بشكل كامل مع العراق ، فبعض الدول كان لديها احساسا بالذنب لشدة وطأة العقوبات الاقتصادية التي طالت الشعب العراقي دون ان تؤثر على الطبقة الحاكمة والتي فرضت عقب غزو صدام للكويت والبعض الاخر اراد ان يخفف من فعل الاحتلال المخالف للقانون الدولي بخلع صفة التحرير وبناء عراق ديمقراطي متطور اقتصاديا وعلميا وجعله يابان الشرق الاوسط او كما اشيع انذاك او بمستوى كوريا الجنوبية اي ان يكون نموذج للمنطقة ، وقد لمسنا من الرئيس الاميركي جورج الابن ذلك من خلال ضغطه على العالم لالغاء الديون بحق العراق التي بلغت ارقاما فلكيه بفعل الحروب وتعويضات حرب الكويت ، ومن لا يدري ، فالرجل والحق يقال اصدر امرا بمنع التصرف بالودائع العراقية طيلة رئاسته والتي لولا هذا الامر لكان العراق فقد امواله وربما لغاية اليوم ندفع ديون ومستحقات الغزو التي خمنت بمئات المليارات من الدولارات وربما شهدت زيادات اخرى مع استمرار تقديم الدول والاشخاص لطلبات التعويض نتيجة لقرار اممي مجحف يقر باحقية تلك الطلبات دون ان يعترض العراق على ذلك ، حتى ان بعض المنصفين من موظفي الامم المتحدة قد اعترضوا على بعض الطلبات ونذكر منها طلبا للكويت ، رقما يفوق الخيال بعدد الابل المفقودة اثر الغزو يتجاوز عدد سكان الكويت ، كنموذج واحد لعشرات الامثلة ، كل تلك التعويضات جاءت نتيجة رعونة صدام حسين ، ثم خاطب بوش السياسيين العراقيين بشكل واضح ، استفيدوا من وجودي في الرئاسة لتحقيق المزيد المكاسب ، املا منه لنجاح غزوه وبناء نموذج حقيقي يغطي مغامرة الاحتلال   ، انا هنا لست بصدد تبرير ذلك الاحتلال ، او الانحياز لبوش ، لكن رب ضارة نافعه ، والعراق وقتذاك كان مدمرا سواءا باحتلال او بغيره ، ومع ذلك كان الاحتلال املا للانتقال بالعراق نحو افق جديد بدلا من تكريس المنهج الدكتاتوري .
 الا ان ضياع هذه الفرصة التاريخية والفاصلة لاعادة بناء الجمهورية الثانية ، لتكون نموذجا مشرقا وفق مبدأ مساهمة كل الجهود الخيرة والمبدعة ، يعود لعدد من الاسباب اهمها على الاطلاق  ، هوعدم توفر قيادة منسجمة ضارة نافعه ، واحتل العراق او لم يحتل كان مصير البلد الى الهاوية ، الان في خبر كان ب وتعويضات حرب الكويت ، والرجل والحق يقال اذات ستراتيجية ورؤيا واضحة مهيئة سلفا تعمل لتغيير وجه العراق ونقله من بلد يتم فيه تداول السلطة عبر الانقلابات الدموية وخضوعه لارادات فردية ، الى دولة مستقرة ذات تأثير ايجابي على المنطقة والعالم عموما ورائدة في البناء والتنمية لما لها من رصيد هائل من الطاقات الكامنة المادية والبشرية ، مستغلة الاجواء الدولية المتعاطفة مع العراق بعد التغيير وما صاحب ذلك من حملة عالمية لاطفاء الديون ومساعدة العراق ووضع الخطط التي اعدت لتأهيله اقتصاديا واجتماعيا من قبل مجموعة من الدول والشركات العملاقة ، التي كانت تأمل في دخول العراق ، وقد حضرت شخصيا العديد من اللقاءات التي تمت بعيد سقوط النظام السابق مع بعض الشركات العالمية الطامحة للعمل والاستثمار في العراق قبيل اشتعال الطائفية ، حتى ان عملاق البرامجيات ونعني بها شركة مايكروسوفت ، قد ابدت رغبتها في استثمار عشرات المليارات في العراق ، لكن الذي حصل وللاسف عكس هذا تماما، حيث تاسست العملية السياسية على اسس محاصصة طائفية وحزبية ووصلت بعض حلقاتها الى القبيلة والعائلة ، واسفرت هذه العملية بمجيء اشخاص لا يخضعون لمباديء الكفاءة والنزاهة والمهنية والخبرة  لاشغال المناصب والمواقع الحكومية بما فيها المناصب السياسية وصار السواد الاعظم من السياسيين في سباق محموم للاثراء وعلى حساب المصلحة العامة ، وفتحت المزادات العلنية في بيع المناصب لتتراجع بذلك الشعارات الوطنية ، مما وفر العناء على اصحاب الاجندات الخبيثة التي تريد الشر لهذا البلد لان يجدوا طريقهم وينفذوا من خلال تلك الشخصيات الفاسدة في تنفيذ مآربهم في الاقتتال الطائفي و تصعيد التوتر بين المكونات ، وكلما بذلت جهود خيرة للتقريب او للشروع في البناء ، كلما دفعت مبالغ اكثر من قوى الشر لهذه الشخصيات لتفريغ تلك الجهود من محتواها الاخلاقي  من اجل خلق العراقيل لعدم الاتفاق وصار العراق يخرج من دوامة  ليدخل دوامة اخرى وهكذا الامر دواليك  ، وهذه القوى الخارجية كاذبة في ادعاءاتها بانها تناصر هذه الطائفة او ذلك المكون ، لكنها تخشى نجاح التجربة العراقية وبالتالي خوفها من ثورة شعوبها المتعددة الاعراق والطوائف
وكلما مر الزمن والسياسيون يتناحرون كلما زادت خطط الاعداء في تمزيق البلد ، لتصل الحلقات التآمرية الى داخل المكون الواحد كما نرى اليوم بشكل واضح ،
من خلال السرد السريع الذي مر اود جلب الانتباه الى حقيقتين ، اولهما ان اختيار الاشخاص القادرين على مسك ادارة الدولة بحزم هو مطلب شرعي وشعبي لاستقرار البلد  ، وثانيهما الوثوق بامكانية العراق التعافي من اية ازمة مهما بلغ ضررها ، على عكس كل دول العالم ، نظرا لما وهب الله هذه الارض من امكانيات هائلة كفيلة بالتعويض بشرط حسن اختبار رجالات الادارة - يتبع