طاولات مجالسنا الثلاث

مازال العراقيون يتصدرون المواقع الأولى في تحمل الضيم والاضطهاد وغمط الحقوق، ومازالوا يتبادلون فيما بينهم الأدوار بين متضرر ومنكوب، وصابر وصبور، وخاسر ومُضحٍ، ومظلوم ومغدور. على الرغم من عراقهم الجمهوري الفدرالي التعددي الديمقراطي. فيما لايزال ساسته وأرباب الحكم وأولو الأمر وأصحاب القرار فيه، يتبادلون فيما بينهم الأدوار بين سارق ومرتشٍ، وطامع ومغرض، ومتواطئ وخؤون، وكاذب ومماطل، ومسوف ومخادع، وناكث وحانث وغادر، وظالم و.. (ناقص). وعملا بمقولة (كن مظلوما ولاتكن ظالما) تكون كفة المواطنين راجحة على هؤلاء، لاسيما إذا كان ميزان العدل والحق هو الحكم. إذ يقول الإمام علي (ع):
لاتظـلمن إذا ماكـنت مقتـدرا فالظـلم مرتعـه يفضي الى النـدم
تنـام عينـك والمظـلوم منتبـه يدعو عليـك و عيـن اللـه لم تنـم
فلو استعرضنا ماطرح من مشاريع وأعمال على طاولات المجالس الثلاث خلال أكثر من عقد مضى من عمر العراق الجديد، لانرى إلا النزر اليسير منها قد تحقق على أرض الواقع، وكأن الأمر متعمد ومقصود، إذ يتأخر البت في كل ما له صلة بمصلحة المواطن فيما يخص معيشته وأمنه واستقرار حياته الاقتصادية. وما من أحداث صغيرة او كبيرة تطرأ على البلد إلا وكان لها التأثير السلبي المباشر في يوميات المواطن، بدءًا من (خبزة جهاله) الى دواء مرضاه الى (خط المولدة) الى إيجار سكنه، الى مالاينتهي من متطلبات الحياة كحد أدنى للكفاف. ولو استعرضنا على ذات الطاولات في المجالس الثلاث ولاسيما مجلس النواب، تاريخ المشاريع والأعمال المطروحة التي تنتظر البت والإقرار، لتعود بالنفع والريع للمواطن، لتبين لنا بكل وضوح أسباب هذا الشح والقحط في الإنجازات التي كان حريا بالنواب ورئيسهم، الإسراع في إقرارها لتأخذ طريقها الى التنفيذ والتطبيق. ولو أردنا الاستيضاح أكثر عن هذا التقصير علينا النظر الى مايجري تحت الطاولات، المستديرة منها والمستطيلة والخماسية والسباعية والثمانية، فهناك تتضح بشكل جلي الأيادي المتعاضدة والأذرع الأخطبوطية، التي دخلت العملية السياسية على غفلة من الزمن، وصار أمر الملايين من أبناء البلد تحت رحمتها. كما سيتضح لأي مستقرئ على عجل السلسلة المترابطة من الشخصيات والـ (صماخات) التي مافتئت تعرقل سير عجلة البلد بكل الاتجاهات إلا باتجاه الهاوية، والغاية من هذا قطعا معلومة.
إن البلد وهو يعيش أعوامه الثلاثة عشر من أعوام الحرية وزمن الحكومات المنتخبة بمحض إرادة الشعب، كان من المتوقع أن يكون بعد ذاك الصبر في مقام غير مقامه الذي آل اليه، ومن غير المعقول أن يستمر لعام رابع عشر او خامس عشر، وهو يرفل بسلبيات الديمقراطية نائيا عن أيجابياتها قسرا، ومن المؤكد ان تحقيق الإيجابيات مرهون بأولي أمره في بلده، والذين بدورهم -على مايبدو- مرهونون بيد الأحزاب والكتل والقوائم والشخصيات النافذة ليس بداخل البلد فحسب، بل من خارجه كذلك.
وبعودة الى الطاولات فأنا لم أشأ ذكر السداسي منها، ذلك أن السداسي يلوّح الى نجمة أخشى ان يكون لبعض أصحاب القرار العراقيين صلة.. وصلة وطيدة بها. والعاقل وغير العاقل يفهم والسوي وغير السوي يدرك هذا جيدا. وأظن الحال إن بلغ مبلغا كهذا، فإن السلام على الاستقرار والأمان والسلام في دار السلام قد آن أوان قراءته، إن لم يكن قد فات بعد..!