ادم و دارون ( ٥ ).. عندما تتسيد اللغة.. بقلم/ د. حيدر محسن جارالله

 

 

العراق تايمز: كتب د. حيدر محسن جارالله

 

اللغة العربية غنية جدا بالمفردات و لكل مفردة وزنها و فهمها الذي يجب ان يوضع موضعه .
حتى قال اللغويون ان كل زيادة في المبنى هي زيادة في المعنى و ان حرفا واحدا لكفيل بان يقلب المعنى رأسا على عقب .
خذ مثلا الفعل ( قسط ) فهو قاسط اي جار في حكمه و حاد عن الصواب و منه كلمة القاسطين اي الجائرين .
ضع الان همزة امام ( قسط ) و لتصبح ( أقسط ) فهو مقسط اي عدل في الحكم فهو عادل 
إذاً قسط الحاكم يعني جار و بالمقابل أقسط الحاكم يعني عدل في حكمه . حرف واحد كما قلنا قد يقلب المعنى تماما 
و لذا وجب علينا ان نكون دقيقين في قراءة الكلمات و خصوصاً في القران فهو عربي محض و يستحق منا الدقة

هذا المدخل اردته لنناقش اية اخرى من الآيات التي جرى تعليبها جاهزة للدفاع عن الخلق المستقل و هي اية 
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ

تجد الكثيرين يحتجون ان هذه الآية تدل على التمامية في الخلق منذ البدء و انه لا يجوز ادعاء التطور و التدرج و الارتقاء المتسلسل في خلق الانسان استنادا الى هذه الآية .
و لكن يؤسفني ان اخبركم ان هذا الفهم للآية خاطئ و لعدة أسباب 
اولا ان هذا الكلام قد يصبح صحيحا لو كان الآية تقول في ( أحسن قِوام ) و ليس تقويم ... لماذا 
كما أسلفنا علينا ان نفهم ان كلمة تقويم مختلفة عن كلمة قوام ... فما معنى تقويم 
التقويم في اللغة هو التعديل و التصحيح من قوّم اي عدل و هذب اي ان الانسان خلق باحسن التعديلات و التصحيحات اي انه ببساطة مر بعملية تطويرية هي الأعلى و الأفضل .
مرة اخرى و اية اخرى تشير الى عملية ديناميكية في الخلق انها عملية غير مباشرة تتضمن تعديلا مستمرا و ناجحا و هذا برأيي يشير بشكل من الأشكال الى الانتخاب الطبيعي ( natural selection ) الذي تحدث عنه دارون انها تشير الى مسيرة من التصحيحات ان جاز التعبير و مرة اخرى تسحب هذه الآية البساط من تحت ارجل أنصار الخلق المباشر . انها عكس ما أرادوا منها كشاهد .
ثانيا اذكركم الآية القرانية التي تناولناها في حلقة سابقة ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) انه سبحانه و تعالى أحسن خلق كل شئ و جميع المخلوقات تشترك في هذه الآية و هي عند الله واحدة في حسن الصنعة لا اختلاف بين يرقة بعوضة او إنسان و لكن الفرق كما أسلفنا بان العملية التقويمية ( التطور ) كانت في أبهى صورها في الانسان و هذا مما لا شك فيه و لولاه ما تسيد الانسان المشهد الطبيعي و لا رزق الخلافة في الارض .
ثالثاً لو أردنا ان نقفز على اللغة و نقول لا بأس فلنتعسف في الفهم و نعتبر تقويم كقوام في المعنى . 
برغم هذا فالآية لا تدل على الخلق المباشر لانه و كما أسلفنا لا ضير في احترام الخلق التدريجي فهو في النهاية عملية خلق بل و كما قلنا اجمل و اكثر شداً للنفس الى عظمة الخالق الذي خلق كل هذه الكائنات الحية بنظام متين قائم على قوانين الانتخاب الطبيعي و اندثار جينات و اجناس و ارتفاع اخرى في مسرح الحياة العظيم .

و هكذا و بكل ثقة أقول قبل ان نحتج بأي آية على قضية ما علينا ان نجعل اللغة العربية سيدة الموقف و نفهم المراد من الكلمات جيدا عندها لن تغشنا المفردات و سنصل الى الحقيقة وراء اي نص قرآني .

و لنا تتمة في احاديث اخر
شكرًا لمتابعتكم