استضافت جمعية المرأة العراقية في ستوكهولم، ونادي 14 تموز الديمقراطي العراقي في ستوكهولم، بالتعاون مع مؤسسة (ABF)، الأستاذ الدكتور رياض البلداوي الطبيب الإستشاري والباحث المتخصص بعلم النفس، والباحث في المشاكل الأسرية وسط المهاجرين، للحديث عن "مشروع قانون الحماية من العنف الأسري في العراق، بين متطلبات التطور الإنساني والاجتماعي، وتجاذبات السياسة والتقاليد الاجتماعية والثقافية الذكورية"، وقد أدار الأمسية التي حضرها جمهور مهتم بحقوق المرأة والطفولة، ومتابع إلى قضايا العنف الأسري، الدكتور طالب النداف، وكان من ضمن الحاضرين سفير جمهورية العراق في السويد الأستاذ بكر فتاح حسين، وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي في السفارة، والأستاذ هشام الذهبي مدير البيت العراقي للإبداع.
تحدث الدكتور رياض البلداوي في هذه الأمسية عن الوثائق والإتفاقيات التي تحرم العنف الأسري، حيث كانت العديد من دول العالم قبل عام (1990)، تفتقر إلى قوانين تحمي الأسرة من العقاب المنزلي، وتحرم العنف ضد المرأة والأطفال في الأسرة، حتى أصدرت الأمم المتحدة عام (1993) وثيقة أكدت فيها على الدول الأعضاء، باعتبار العنف الأسري جريمة وطالبت بسن قوانين لتجريمه، ومن هنا أصبح واضحاً أن الحرية في العائلة لا تعني أضطهاد أحد أفرادها، ولكن، ومع شديد الأسف، مازال العقاب الجسدي للأطفال مسموحاً به، وبدرجات مختلفة كجزء من التربية في الكثير من دول العالم، وكذلك ضرب وإهانة الزوجة مازالت لا تعتبر جريمة في بعض البلدان، بحجة أن بعض النساء هن السبب لأستثارتهن الرجال لضربهن.
اتفاقية استنبول يرى الدكتور البلداوي أن هذه الإتفاقية هي الإتفاقية الملزمة الأولى في كل أوربا في تحريم العنف الأسري والعنف ضد المرأة والأطفال، التي أبرمت في استنبول في (11 / 5 / 2011)، ووضعت حداً للتذبذب والتسامح في بعض القوانين حول هذه الظاهرة، منها ما يحدث من عنف بين الزوجين في العلاقة الجنسية، أو الإجبار على الجنس عندما يرفض الطرف الآخر، وقد صنف هذا السلوك في الإتفاقية ضمن إطار الإغتصاب، واحتلت جرائم الشرف موقعاً متميزاً في العنف الأسري، وكذلك الجرائم ضد الأطفال، وقد دخلت إتفاقية استنبول حيز التنفذيذ في (14 / 4 / 2016)، بعد أن وقعت عليها تركيا أولاً، ومن ثم (21) دولة أوربية ليصل مجموع الدول الموقعة عليها (42) دولة، وأصبحت تسمى في المجلس الأوربي (إتفاقية الحماية والحد من العنف ضد النساء والعنف السري).
تعتبر ظاهرة العنف الأسري ظاهرة عالمية، فهي موجودة في كل دول العالم على اختلاف عاداتها وتقاليدها وثقافاتها، فقد حرمت بعض الدول هذه الظاهرة وسنت قوانين صارمة للحد منها، ووضعت عقوبات شديدة على مرتكبيها، واعتبرتها دول أخرى ظاهرة غير صحيحة ونصحت بالحماية منها ونظمت بعض الفعاليات الاجتماعية للحد منها، في حين اعتبرتها بعض الدول ظاهرة خاصة، وليس من حقها أن تتدخل في شؤون العائلة، وإن النظرة القانونية لهذه الظاهرة مهمة جداً، لأنها تضع الضوابط للحد منها، وتضع الدولة والمجتمع أمام مسؤولياتهم.
أنواع العنف الأسري
توقف الدكتور البلداوي عند أنواع العنف الذي لا يعني فقط الضرب والاعتداء الجسدي، وإنما أيضاً العنف (النفسي، الجنسي، الاجتماعي، الاقتصادي والمادي)، فالعنف الجسدي: هو العنف الأكثر شيوعاً، لأن دلالاته واضحة، ولكن بالتأكيد هناك أنواع أخرى من العنف لا تقل تأثيراً عنه، مثل العنف النفسي: الذي يشمل كل المحاولات لإحباط الآخر والإقلال من أهميته وإهانته المتكررة، أما العنف الجنسي: فقد تداخلت فيه الكثير من الأمور مثل: الهجر وعدم التقرب، الإزدراء والتهكم على التغيرات الفسيولوجية واستغلالها للحط من قدر الشريك، والعنف هنا يكمن بالإمتناع والإبتعاد، أو الإجبار على الفعل الجنسي رغم عدم توفر الرغبة لدى الآخر، ويأتي بعده العنف الإجتماعي: الذي تقوم به المجموعة من عزل واضطهاد وازدراء اجتماعي، وأخيراً العنف الاقتصادي والمادي: وهو العنف الذي يمارس ضمن إطار العائلة.
إن أكثر العنف الأسري يقوم به الرجل باتجاه زوجته وأطفاله، وهذا العنف غالباً ما يكون محاطاً بهالة من الحصانة الاجتماعية والثقافية، التي تدفع بالرجل لممارسة هذا النوع من العنف، وهناك بعض الحالات يكون فيها العنف موجهاً من المرأة (الشريكة) تجاه شريكها الرجل، وهي حالات محدودة لكن تأثيراتها كبيرة، كما أن هناك عنف يمارس من قبل المراهقين ضد صديقاتهم وأمهاتهم ويؤدي إلى نتائج نفسية وجسدية واضحة،
إن العنف الأسري يؤثر تأثيراً مباشراً على كل أفراد العائلة، ولذلك فأن الدول التي تجرم العنف بقوانينها أصبحت تجرم تعرض الأطفال إلى العنف غير المباشر، أي عندما يقوم الأب بضرب الأم بوجود الأطفال، فيصبح الجرم مضاعفاً (حتى وإن لم يكن الأطفال جزءاً منه)، لأنه يصيبهم بالضرر.
منظومة السلطة الأبوية الذكورية في الشرق الأوسط
فيما يتعلق بالشرق الأوسط سلط الدكتور البلداوي الضوء على القوانين التي ما تزال لا تمس منظومة السلطة الأبوية في الصميم، فهي إن وجدت لا تتعدى حدود الإطار الهش فقط، فهناك قوانين تمنع المرأة المطلقة من الحصول على حق رعاية الأطفال، وهناك دول لا تزال فيها المرأة المتزوجة غير قادرة على الطلاق
بالقانون، فالطلاق هو حق للرجل فقط ضمن منظومة السلطة الأبوية، وهناك دول أعطت بعض الحق للمرأة بأن تخلع الرجل إن أرادت، لكنها وضعت قيوداً كثيرة ومجحفة تحرمها في حالة الخلع من رعاية الأطفال، وكذلك من الحقوق المثبتة في عقد الزواج (المؤخر)، مما يجعلها غير قادرة على إعالة نفسها فتضطر إلى الأستسلام والرضوخ إلى الأمر الواقع، وهنا يبرز دور المجتمع والدولة في الحفاظ على حقوق المرأة وصيانتها من الضياع المادي والاجتماعي، في سن قانون يكفل حمايتها ويساعدها في استعادة دورها الطبيعي في المجتمع.
والعنف في المنظومة الأبوية يؤدي إلى تنازل المجموعة عن حقوقها واعطائها إلى الأب ليكون (الآمر الناهي)، وبهذا يفقد الأب صفته كزوج يتساوى في الحقوق مع زوجته، وأب عليه مسؤوليات تجاه أبنائه، ويتصف بحق التملك في إدارة وتمثيل العائلة بكل شيء، والتملك من الصفات المهمة في تركيبة السلطة الأبوية، وهو يعود إلى زمن سلطة (الإقطاع) في العلاقات الإجتماعية الاقتصادية، وهذا النمط من العلاقات يضع المرأة ضمن إطار الطاعة للقواعد وللمجموعة، حتى وإن كانت المرأة أكثر أهلية من الزوج في إدارة العائلة وتمثيلها، وهذا بخلاف القوانين المدنية المتطورة، التي أعطت الحق للزوجين اقتسام كل موارد وممتلكات العائلة حتى بعد الطلاق |