أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يوم امس عن إرسال محققين في مجال مكافحة الفساد الأسبوع المقبل إلى العراق بعد توقيع مذكرة تفاهم في هذا المجال الشهر الماضي. وتزامنا مع ذلك استقبل رئيس مجلس الوزراء العبادي في نيويورك مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هلين كلارك التي أكدت الخبر المتعلق بإرسال محققين في مجال مكافحة الفساد مشيرة إلى أن "البرنامج سيقوم بالتنسيق لإنشاء صندوق دعم الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة العراقية". هذه الأنباء، كان قد أكدها ايضاً مكتب العبادي في 11 آب 2016 ، لدى توقيع العراق مذكرة تفاهم مع الأمم المتحدة لإشراك محققين دوليين في ملفات الفساد الكبرى. هذه التوجهات والاجراءات تتزامن مع قرب اجراء الانتخابات الامريكية وطي صفحات متعدة من معركة تحرير محافظة نينوى وما سيتبع ذلك من متغيرات دراماتيكية ليس داخل العراق فحسب بل وفي المنطقة بأجمعها. وللوقوف على اهم اسباب التوجهات الرامية الى التدقيق في ملفات الفساد في هذه المرحلة ، يجب الإشارة الى انها تستهدف الدولة العميقة في العراق لأن الرؤوس الكبيرة المتورطة بالفساد هم رجالات هذه الدولة المسيطرة على مؤسسات الدولة العراقية والتي حكمت العراق منذ 2006 الى نهايات 20014 بشكل فعلي ، وتقود العراق حاليا من الخفاء من خلال المالكي ومراكز قواه وبدعم إيراني بدلا من الدولة الوطنية السطحية الضعيفة التي يقودها العبادي بشكل ظاهري وخلفه الولايات المتحدة.والمعروف عن الولايات المتحدة منذ عدة عقود بانها تعتمد على اجهزتها الاستخبارية في جمع ملفات ضد دول تعتبرها معادية وسمتها في وقت سابق(مطلع التسعينيات) بالدول المارقة وقد دمرت ثلاثا منها( العراق وسوريا وليبيا) وهي الان سائرة باتجاه دوليتين متبقيتين( ايران وكوريا الشمالية). هذه الملفات أظهرتها للعالم كوثائق ادانة ضد الدول المدمرة وخصوصا ضد قادتها (صدام والاسد والقذافي) للتحشيد العالم ضدهم ومن ثم ضربهم بدعم دولي واموال عربية/ خليجية . أما اليوم فهي تريد الانتقام من الذين دعموا ايران وسهلوا لها نقل الأسلحة الى سوريا ودعموا اقتصادها بمليارات الدولارات وأنقذوها من الانهيار التام في السنوات الخمس الماضية ، وهؤلاء هم رجال الدول العميقة في العراق وفي مقدمتهم المالكي الذي دعم الأمريكان تنصيبه لولايتين ولكنه تمرد عليهم وارتمى في الأحضان الإيرانية فغضب عليه العم سام ومنعه من الولاية الثالثة ، وهو الان متجه للانتقام منه.الولايات المتحدة هي ذاتها كانت قد أعطت الضوء الاخضر للمالكي في التعاطي مع الفساد وسهلت له السرقات وسكتت عن نقل الأموال وغسيلها من قبل رجاله ، رغم سيطرتها التامة على خروج ودخول العملة من والى العراق من خلال نظام مصرفي معقد تتم فلترته في أميركا فقط ولا تمرر صفقة ولو بدولار واحد الا بموافقتها. وبمرور الوقت قامت بجمع آلاف الملفات التي كانت تصلها من داخل العراق او من خارجه وسلمتها الى فرق التحقيق الدولية التي حملتها معها الشهر الماضي عبر مطار بغداد عندما جاءت لتبدأ بالتحقيقات الدولية لكشف الفساد في العراق من خلال لجان دولية متخصصة( هي بشكل مؤكد تعمل تحت سيطرة عن بعد بواسطة ريمونت كنترول أمريكي). هذه التدابير والسيناريوهات الامريكية تتكرر بين فترة وآخرى ، فاذا ما رجعنا الى التاريخ القريب ، وتحديدا في بداية التسعينيات من القرن الماضي ، نجد أن اميركا قد عملت على توريط صدام وجرت أرجله بغباء الى المستنقع الكويتي بعد ان التقى بالسفيرة الامريكية في العراق آنذاك غلاسبي في أحد قصوره السبعين على جبل من جبال دهوك في شمال العراق والتي طمأنته الى ان دخول الجيش العراق الكويت هو شأن عربي داخلي ولن تتدخل الولايات المتحدة او أياً من دول العالم فيه ان حدث، وما ان دخلها حتى تجمعت ثلاث وثلاثون دولة لطرده منها ومنذ ذلك اليوم بدأ الانهيار العراقي الذي بلغ ذروته في آذار 2003 وهو مستمر لغاية اليوم.أمريكا سقت المالكي نفس الكأس الذي سقته لصدام ، ونفس مسلسل فوق التفتيش الدولية بعد حرب الكويت وبدء الحصار التي جاءت وفتشت غرف وأدراج مكاتب صدام ورجالاته هي نفسها تعيد الكرة لتفتش نظيراتها لدى المالكي ، الذي لم يتخذ من ما جرى لصدام كعبرة وموعظة . ففرق التحقيق الدولية ستقوم بتقديم توصيات باستدعاء المالكي وزبانيته وحاشيته ورجالاته من حزب الدعوة او من غيره للتحقيقات ومن ثم الإحالة الى المحاكم واسترجاع الأموال التي ستدورها لصالحها بطرقها الخفية الملتوية ، وسيهرب من يهرب وسيتوارى المالكي قبل ان يهنأ برئاسة جديدة للتحالف الوطني خطط لتوقيتاتها اسياده الايرانيون لتتزامن مع الانتخابات القادمة وتركوا للحكيم نشوة كأس فارغ ، كان يحلم بتناوله ممتلئاً رياناً ولكن هيهات ان يدعه المالكي وتحالفه لتحقيق ما يصبو اليه الذي هو للاسف حكيم بالاسم فقط.لم يفكر احد بالرابط بين الاعلان عن احياء قانون العفو العام ومجيء فرق التحقيق الدولية في نفس الفترة، والجميع يعلم ان هذا القانون قد ترك في ادراج مكاتب الرئاسات منذ سنوات دون ان يخرج ليرى النور لعدم وجود مصلحة للمالكي ودولته العميقة في صدوره لان المحاكم تأتمر بامره واتباعه من المجرمين والسراق طلقاء يسرحون ويمرحون في وسط بغداد فلا حاجة له بهكذا قانون، بل المصلحة والمنفعة ستكون لخصومه من الصدريين الذين امتلئت بهم السجون والمعتقلات وايضا أبناء السنة الذين أغلبيتهم من اصحاب الملفات الكيدية حيث أحزابهم لاتقوى ولا تهتم كثيرا بإصدار هذا القانون. ولكنه ظهر للنقاش مجددا في مجلس النواب وسيصدر نهائيا بمصادقة رئيس الجمهورية لسبب مهم وهو قطع دابر ملاحقة المتورطين بالفساد والسرقات من رجالات الدولة العميقة وفي طليعتهم المالكي ، فالقاعدة القانونية تنص على ان القانون الخاص يقيد القانون العام ومن يصدر له عفو باعادة مبالغ قد اختلسها او سرقها لا يخضع حينها لسلطة او توصيات لجان تحقيق دولية ، وهو ما جعل من القانون فرصة للعفو عن حيتان الفساد دون تقديم فائدة تذكر للصغار من السراق او حتى المسجونين او المحبوسين او المعتقلين بتهم كيدية ملفقة ضدهم، ( للتأكد من ذلك الرجوع الى مواد القانون ومتابعة الانتقادات الموجهة له). ان الكلام عن الربط بين إصدار قانون العفو العام وبدء تحقيقات الفرق الدولية سوف نتناوله في مقال آخر مستقل لأهميته وعمق معلوماته . ونعود الى حديثنا هذا الذي يدور حول المخطط الامريكي لتفتيت قوى الدولة العميقة بوسيلة جديدة هي فرق التحقيق والتدقيق الدولية وبالتزامن مع تحرير نينوى والانتخابات الامريكية ، لأن سحق او إضعاف هذه الدولة السرية التي هي دولة قوية داخل الدولة الوطنية الضعيفة يعني قطع الحبل السري بينها وبين ايران العدو الماثل امام الولايات المتحدة والتي تعمل على تفتيته بشتى الوسائل عاجلا او آجلاً.
|