كان في نيتي ، أن امنح نفسي فترة (نقاهة) من كتابة مقالات سياسية ، والتوجه بدلها للمقالات العلمية ، فكل كتاباتنا السياسية ، هي بمثابة صرخات استغاثة وتحذير ونحن نرى عراقنا يغرق ، صرخات موجهة لحكومة أصابها الصمم ، كسفينة كثرت ملاليحها بكتلها وأحزابها وتياراتها ، وكلٌ يريد خرقها بدعوى ان ما تحت قدميه ملكٌ له ! وها ونحن نرى بلدنا ، وقد أفضى النفق الملعون الذي دخله الى نهاية عمياء وكأنه القبر ! ، وبالمقابل لن تجد أذنا صاغية ، لكن الذي أجبرني على كتابة هذا المقال ، ما صاحب موسم الحج هذا العام ، من التخرصات والعنصرية والطائفية والآراء المريضة ، وسوء الفهم الصارخ للفقه الجعفري ، خصوصا الرأي العام العربي الذي رأيت فيه العجب العجاب من الأفتراءات ، وكأن (كربلاء) ، قد تحولت الى (قُـلّيس) أخرى ستكون الكعبة القادمة للشيعة ! ، ولم يتبقّ الا الدعوات لهدمها على طريقة (ابرهة) عندما أراد هدم الكعبة قبيل ميلاد نبينا الأكرم (ص) ، وربما ستستخدم طائرات (F16) بدل الفيلة ، علما ان هذه فتوى قديمة لا تزال سارية المفعول ، بل من أولويات الفكر الوهابي !.
أعترف لكم بأني لا أميل الى النظام الأيراني ، ولست من المؤيدين لمبدأ (ولاية الفقيه) مطلقا ، وأن أيران وكل الدول المجاورة لنا ، تنظر الينا على ان بلدنا حديقة خلفية لها ، والفضل لكل سياسيينا على الأطلاق! .
واذا كان الأمام جعفر الصادق (ع) ، والذي يعترف الجميع بفضله وعلمه في اثراء فقه ديننا سنّة وشيعة والا ما قال الأمام ابو حنيفة النعمان (رض) بحقه (لولا السنتان لهلك النعمان) ، ثم نهلت من مدرسته المذاهب الأسلامية الأخرى ، أقول اذا قال هذا الأمام (زيارة جدي الحسين تعادل (كذا) حجّة) ، ثم يوضح انها المعادلة (بالأجر) فقط ، ولا تجزي مطلقا عن (فرض) حجة واحدة لبيت الله الحرام ، فمثل هؤلاء المنتقدون كمثل من يقول (ويل للمصلين) ، ويترك باقي الآية ، فميّزوا يا أخواني من أن الأجر لا يجزي عن الفرض ، وأن كل الشيعة على الأطلاق يعرفون هذا ، قلت هذا لصديق عمري فقال لي (ليس كل العابدون يفهمون كما تفهم يا ماجد ) !! هذه العبارة الشهيرة التي قالها ملك الحبشة ، المؤمن المسيحي ، الى (عمرو بن العاص) المُشرك ، نزلت كالصاعقة على رأسي لأنها من صديق ٳعتَقَدَ طيلة سنين صداقتنا أني مشرك ! ، فلماذا العتب على الأعراب ! ، ثم يرموننا بالبُدع والويل والثبور وعظائم الأمور والوعد والوعيد ، فألى متى تبقى هذا الأفتراءات وسوء الفهم ؟ .
تارة يصفون الأيرانيون بالمجوس ، وأخرى بالصفويين (ونحن نُحشر معهم) ، وانهم ميالون للشرك ، بل العودة الى (ديانة) أجدادهم ! ، ولا أدري لِمَ لا يحج هؤلاء (المجوس) عَبَدة النار الى (النار الأزلية ) في كركوك ! والجميع يعرف أن الأعمال بالنيات وأن المؤمن فعله محمول على الصحة ، وأن لا (قومية) ولا قرابة في الدين والا ما لعن الله (ابا لهب) في كتابه ، وما قال الأمام علي (ع) بحق سلمان الفارسي (رض) :
فقد رفعَ الأسلامُ سلمانَ فارسٍ ............وقد وضعَ الشركُ الشريفَ ابا لهبٍ
أيران دولة اسلامية ، وابعادها عن موسم حج هذه السنة ، سابقة خطيرة ، سواء بسبب النظام السعودي وهو يملي شروطه على الحجيج ، أو النظام الأيراني وتعبيره عن أحتجاجه على تلك الشروط ، فمكة ليست وقفا لآل سعود ، بل ملك لجميع المسلمين ، وكرد فعل ارادوا التعبير عن أحتجاجهم بالتوجّه الى كربلاء ، فلِمَ هذا (التحسس) الشديد من أسم كربلاء ؟ ، هكذا تنفس القيّمون على الحج ومن والاهم الصعداء بموسم حج خال من الأيرانيين ، ولا أدري لماذا ، فهل كانوا السبب في (دموية) موسم الحج الماضي وقتل أكثر من 2000 حاج ، يمثل الأيرانيون النسبة الأكبر منهم ؟ ، كل الوكالات الأخبارية العالمية حللت الحادث على أن سببه الأهمال وسوء تخطيط القيمين عليه ، والصور المقززة ، تُظهر الضحايا مكدسون وكأنهم أزبال ! .
لكني أتصور ، ربما (نفخ) أحد هؤلاء (الفُرس) ، على أحد ابراج الصيانة ، فتحولت زفرته هذه بقدرة قادر الى ريح صرصر ، أطاحت ببرج الصيانة هذا فقتل من الحجيج ما قتل ، أو ربما عبث أحد هؤلاء الأيرانيين بصخرة الجبل بهدف هدمه على رؤوس الحجيج ، فتهاوى ! ، أو أن احتراق الفندق تم بفعل فاعل ، يجب أن يكون أيرانيا ، وحادثة التدافع كانت بتوجيه ايراني فارسي مجوسي صفوي ! ، ثم ماذا يُسمى خطاب المفتي السعودي ، وهو يطل علينا بوجهه السمح (!!) ، داعيا الله بانزال غضبه على كل من يخالفهم ، دينا أم مذهبا ، ومن ضمنهم الصليبيون ، تُرى مَنْ صنع اللباس الداخلي لهذا المفتي ، و(يشماغه) ، بل مايكروفونه الذي ينضح كراهية وطائفية ؟ ، أبناء جلدته ؟!.
كيف يفكّر هؤلاء ؟، ونحن نعلم ان ديننا الأسلامي ابتلى بآفة الوهابية ، فتشوهت سمعة هذا الدين السمح أمام الخلق ، وان كل الفطائس الأنتحارية التي تطيح بشبابنا يوميا ، ما هي الا نتاج هذا الفكر الخطير ، هل ننسَ حملات (ابرهة) الوهّابي في القرن التاسع عشر والعشرين ، واتي قادها هؤلاء الأجلاف لهدم مراقد النجف وكربلاء ، وما رافقها من سلب ونهب واراقة للدماء ؟ ! ، متى نفهم ان الأعمال بالنيات ، وأن المسلم من سلِمَ الناس من لسانه ويده ، فما أكثر الضجيج ، وما أقل الحجيج ! ، ونحن لسنا مضطرين الى اللجوء للدفاع عن أنفسنا ، كلّما ظهرت فرية بحقنا ، ونحن نرى ديننا يتحول حثيثا الى الجاهلية !
|