النسيج العراقي المترابط يتجسد في بابل الدانماركية |
لم يعرف أبناء العراق يوما الحقد الطائفي والكره القومي والتقسيم ألمناطقي حتى عام 2003 حين دخلت للعراق غربان الشر الأمريكية وخفافيش الظلام المعشعشة في جحور دول الجوار العراقي المظلمة, كان علي الشيعي يعيش مع عمر السني و توماس المسيحي و بختيار الكردي و سدير المندائي و كمال قزانجي التركماني وخلف الأيزيدي في حي واحد, يدرسون في مدرسة واحدة ويلعبون في زقاق واحد ويأكلون في صحن واحد, كبروا وكبرت معهم علاقتهم وأخوتهم, كانوا يشعلون الشموع في جامع ابي حنيفة النعمان تيمنا بالمولد النبوي الشريف و يحيون ذكرى عاشوراء في حسينية البو شجاع ويحضرون قداس الاحد في كنيسة القلب الاقدس ويشاركون في مراسم زفاف عرس صابئي عند جرف دجلة ويحيون ذكر خضر الياس تحت جسر الشهداء ويدبكون دبكة النوروز في هولير ويقضون العطلة الربيعية تحت أشجار الزيتون في بعشيقة, لم يكن منهم من يفرض رأيه وأفكاره ودينه وعقيدته ولغته على الآخر بل حتى لم يكن أحدهم يعرف جوهر الاختلاف بين أديانهم ومللهم ولغاتهم لأنها لم تكن تعنيهم بقدر ما كانت تعنيهم تلك العلاقة النبيلة التي توارثوها أجيالا بعد أجيال, فجأة وفي صبيحة يوم مشئوم وجدوا أنفسهم متفرقين مشتتين, علي يهدد عمر وعمر يهجر توماس و بختيار يغلق الباب في وجه كمال و سدير يترك المحلة دون رجعة وخلف يختفي دون أثر وفجأة تحولت بيوت الله إلى غرف مظلمة للخطاب المتشدد ونشر الكراهية وتهدمت الكنائس وأغلقت الكتل الكونكريتية باب المندي الصابئي وهجر الأهل بيوتهم ليبتلعها الأخر بأسم الغنيمة ويقتل أحدهم الآخر بأسم الله ويفرض هذا على ذاك دينه أو الدية لأنه من أهل الذمة, ضاعت الأحلام التي نسجها الصغار يوما ولم يبق منها سوى صورا لتلك الذكريات, صورا بالأبيض والأسود لكنها كانت ملونة بكل ألوان الطبيعة الزاهية في أعماق ذاكرتهم, دموع انهمرت على الخدود وحسرات ملأت الصدور وأهات حبيسة لا تقوى حتى على الخروج من صدور كبس عليها الحزن حتى أصبحت عاجزة عن إستنشاق الاوكسجين, نسيجا إجتماعيا أشبه بسجادة يدوية قديمة قل نظيرها لحبكتها ودقة صنعتها وربط خيوطها تحول الى خيوط مبعثرة مزقتها عثة الحقد والكراهية حتى جمعتها مجموعة شبابية خيرة سكنت الدنمارك مرغمة, بشرى التركمانية أعدم الطاغية أخويها لأنهما رفضا سياسته وأعتقل والدها وهَجَّرَ حبيبها وزوجها عنها لعقد ونصف العقد من الزمن فتركت العراق والتحقت به بعد هذه المدة واستقرت معه في الدنمارك, مي المسيحية التي تخفي خلف إبتسامتها الشفافة عالم حزين , لم تهنأ يوما بحياة كما يحياها الاخرون, من خنادق كردستان تقاتل بشجاعة الرجال الى جبال ايران الى المانيا وأمريكا وبعد أن تلاطمتها امواج الغربة من شاطيء لشاطيء وصل بها قارب النجاة الى الدانمارك, فارس و إشراق الصابئين المندائيين اللذين يحملان طيبة أهل الجنوب تجري في عروقهما مياه دجلة والفرات تركا جرف دجلة الذي يمثل لهما الحياة والحب والخير ليجدا نفسيهما عند شاطيء الدانمارك المالح الذي لا يعني لهما ماءه شيئا, يوسف الشاب الهادئ الذي أعتقله أزلام الدكتاتور مع والدته قرب دارهم عندما كان عمره ثلاث سنوات ليعدم أمه ويسلمه الى والده الذي هرب به ليستقر به الحال في الدانمارك, سعد الاعظمي عازفا محترفا للبيانو وموزعا موسيقيا وملحنا واعدا وشابا نادرا ما تفارق البسمة محياه ترك العراق لأنه لم يكن يعرف يوما بأن الموسيقى أصبحت رجسا |