رحم الله عالم الاجتماع علي الوردي فقد وصف هذا العالم الجليل المجتمع العراقي الذي هو جزء من المجتمع العربي وصفا دقيقا دون اقنعة وبعيدا عن المزايدات الزائفة والعادات المغلوطة والايديولوجيات الموهومة التي انجبت من جعلناه دكتاتورا بدلا من ان يكون لشعبه عالما وفيلسوفا .. رحم الله العالم علي الوردي عندما حلل الحياة الاجتماعية تحليلا علميا بتجرد وبلا انانية ومن يقرأ كتبه يعرف قيمة هذا المفكر ودوره في زيادة المعرفة بطبيعة العادات والتقاليد - للمجتمع العراقي الذي هو جزء من المجتمع العربي - التي غالبا ماتكون نزعة بدوية غير متحضرة .. هذه العادات والتقاليد المتوارثة جعلت افراد المجتمع متنافرين كلٌ يظمر الشر للاخر انتصارا للطائفة او العشيرة ورغم هذا التنافر تولدت قناعات موروثة لدى المواطن العربي والعراقي خاصة بانه يمتلك ارثا حضاريا عظيما مما جعله مشلولا يتغنى بالماضي على حساب الحاضر والمستقبل .. ووسط هذه الرؤية الخاطئة تولد احباط لدى الفرد مما جعله منكمشا وعنصرا غير حضاري لايرتقي فعله الى مستوى الفعل الذي يقدمه اي فرد في دول العالم المتقدم .. ووسط هذه التناحرات والتضادات باتت الفوضى وعدم الانضباط هي السائدة داخل المجتمع العربي فيما وصلت المجتمعات الغربية الى مراحل متقدمة من الرقي بعد ان تركت التناحرات والتضادات والتزمت بالانظمة والقوانين .. ووسط هذا التفاوت في مستوى العلاقات الاجتماعية بين دول الشرق الاسود والغرب الابيض اضاع العرب ومنهم العراقيون " الخيط والعصفور " ووسط هذه التناحرات بدأ يبرز سؤال .. اين موقعنا كعرب من الاعراب بعد ان اضعنا كان واخواتها .. لقد ملأنا كتب التاريخ ضجيجا وتهويلا باننا خير امة اخرجت للناس فبتنا امة بلا احساس وعلى مدى الدهر بتنا نفقد قيمتنا و نُضرب بالمداس وفسقت الغوغاء تلك الكتلة البشرية التي استباحت وبطريقة بربرية كل ما ينتمي الى " الملك العام " لقد اصبحت ممارساتنا حبلى بالاخطاء لمن ركب السلطة .. كنا نتطلع ووسط العذابات التي نعانيها ان يتغير حالنا الى حال احسن .. كنا نتطلع ان يكون القادة العسكر وهم يستلمون السلطة في ثوراتهم المزعومة اكثر انصافا وان يفتحوا لنا باب الجنة لندخلها آمنين مستبشرين باشراقة أمل تسعد اجيالنا المقبلة لكن هذه التطلعات سرعان ما اصبحت " ذهب مع الريح " فكانت انتكاسة جعلتنا نتحفز للانقضاض على القادة العسكر الطغاة في ثورة اسميناها ثورة " الربيع العربي " لكن هذه الثورة كانت كذبة اختلقتها قوى اقليمية خارجية ارادت من خلالها تمزيق المجتمع الى طوائف دينية متناحرة وكتل واحزاب سياسية ومجاميع مسلحة منفلته .. فبات الكل هو الخاسر والثمن هو مزيد من سفك الدماء .. لم يكن في مقدور اي منا ولا اي مما نراهم قادرون على ايقاف المد الجماهيري للمغفلين وهم يذبحون ويغتصبون اهلهم ضمن منهج اسموه ثورة اوا سمها فوضى عارمة اكلت الاخضر واليابس وتكاد تفني شبابنا .. وتطور الفعل المرسوم بمنهجية همجية تسترت بالدين ووصلت الى مرحلة الموت في معارك مع قوى مجهولة الهوية استباحت الارض والعرض وموت اخر في صراعات جانبية البعض منها دينية والبعض الاخر قومية للحصول على المناصب والمكاسب وموت اخر اكثر قساوة هو الموت على الهوية ابتغاء لرغبة طائفية وووو .. انها ليست ثورة شعب انها ثورة غضب حل علينا من السماء نحن التجمعات والكيانات البشرية " سمٍنا ماشئت " لكن لاتسمٍنا شعوبا ربيعية فقد دخلنا شئنا ام ابينا الى متاهات وصراعات جانبية واصبحنا من حيث ندري ولا ندري شعوبا هامشية غبية نرفع الرماح لنزهق الارواح شعوبا تعيش على النواح ورغم النواح نقيم الافراح ونصرف الاموال في الليالي الملاح .. فسمٍنا ماشئت شعوبا غنية او شعوبا وسطية فقط لاتسمٍنا شعوبا ذكية فقد اثبتت وقائع الاحداث بعد ما سمي ب " ثورة الربيع العربي " اننا شعوبا غبية .. اننا لانعدو ان نكون تجمعات او كيانات بشرية انانية تسعى في ثوراتها وانتفاضاتها ان يأكل العراقي والسوري والليبي واليمني والمصري وو.. لحم اخيه طريا بلا شواء ينهشه نهشا بكلمة نابية او فرية .. يا أمة ضحكت من جهلها الامم .. لقد انشغلنا في ثورات بلا منافع وبدأنا بثورات لغتها لغة المدافع .. نعم عشنا الذل مع حكومات تراءى لنا انها ثورية فاذا بها حكومات فئوية وغالبيتها تؤمن بالدكتاتورية .. وبعد اسقاطها اكتشفنا اننا عشنا وفقدنا الامن والامان ولانبريء احدا فيما وصلنا اليه فالكل مدان بعد ان تغيرت الالوان .. لم يكن هناك ارهابي قادم من الشيشان او افغانستان او باكستان الكل كان يهابنا يخاف اختراق الجدران لان الوطن مصان .. لم يكن هناك شخص يفكر ان يقسم العراق او ان يجعله اجزاء مبعثرة في شماله دولة اسميناها كردستان وفي غربه دولة اسميناها سنيستان وفي جنوبه دولة اسميناها شيعيستان وتتطور القسمة حتى تُنهش كاللحمة بالاسنان .. لقد بتنا بعد ربيعنا العربي عبيد وسبايا.. فاشعلونا وبات حريقنا لاينطفيء وكورونا وجعلونا كرة يتقاذفها الطغاة في ملعب الموت.. لقد جعلونا في وطننا اذلاء نعيش البساطة بلا كبرياء .. لقد كانت صحوتنا غش وبلاء واذا قلنا انها صحوة بعد غفوة المساء ضحكوا علينا ووفروا لنا حليب السباع لنغفوا سكارى بلا حياء .. لقد جعلونا احذية يلبسونها في الصباح والمساء .. لنترك المجاملات ونعترف متضامنين اننا عبيد وسبايا عهد الربيع ليلعب بنا استعمار الناتو اللعوب لعبة الموت في منطقة اسماها الشرق الاسود .. ولنعترف اننا نعيش في نكبة وان عقولنا قد ماتت سريريا وان ماتبقى منا اجساد تلبس جلود بشر نخدع بها انفسنا .. فيا ايتها الكائنات الميتة يامن تحملون شعار القومية شمروا عن سواعدكم وابدأوا بحفر الخنادق لتكون قبورا لكم قبل ان يتسارع الزمن فلا تجدون قبرا يأويكم وان وجد فسأمسك قلمي واكتب على لوحته أسفا " هنا يرقد شعب عاش ميتا "
|