لماذا يضع الإرهابيون اللثام |
لقد تعود العرب الأوائل على وضع اللثام في حالة الرعي والحركة السريعة في الصحراء للحاق بعدو ما في حالة القتال ، إلا أن المقاتلين الصناديد كانوا يكشفون وجوههم للموت ، على عكس من يخشى الثأر كذلك يضعنه النساء المقاتلات ، ولدينا نماذج تأريخية من النساء مثل ( خولة بنت الأزور ) وغيرها . وهنا يُستخدم اللثام تحسباً من التعرف وقد يقي أيضاً من أتربة الصحراء وحرها ، ولا زالات هناك قبائل في المغرب العربي يضع رجالها اللثام دون النساء كقبيلة ( الطوارق ) لأسباب عرقية وتراثية وبيئية .
إن الكثير من الدراسات النفسية التي أجريت على الجنود المقاتلين الأمريكان وقوات الأمن قد أثبتت بأن وضع اللثام أو القناع يجعل الجندي أو رجل البوليس أكثر شراسة وقسوة وأكثر جموداً في تطبيق التعليمات وكأنه ( روبوت ) مشحون بها . ولكن لماذا يا ترى تلعب قطعة القماش الصغيرة هذه هذا الدور الخطير في تغيير وقولبة شخصية رجال الجيش والشرطة . والذي يحصل هنا هو أن مرتدي القناع يجب أن يخلع جلده الإنساني ليتحول إلى شخص لا ملامح له وغير معروف من قِبل الضحايا ، وهو في هذه الحالة يصبح مجهولاً لنفسه أيضاً ويتحول تلقائياً إلى سلاح أوتوماتيكي جاهز للإطلاق على الدوام ، وتسقط قيمه جميعها ما عدا غريزة حب البقاء ويبٍقى لديه ( البقاء للأقوى ) ومنطق القوة ، ويصبح بهذا رجل الأمن لا ماض له ولا مستقبل بل يقتصر وجوده على الحاضر والنقطة التي هو فيها ، ولا يعود يؤثر فيه ما قرأه أو درسه في السابق أو ما شاهده من مشاهد إنسانية ، بل يحيط به ظلام تام والنقطة المضيئة الوحيدة التي أمامه هي وجه عدوه .
إن وضع العازل والفاصل على وجوه هؤلاء يجعل هناك فاصلاً بينهم وبين الناس عامة وجميع أفراد المجتمع أو الجيش
المعادي أو المتظاهرين العزل ، ووضع اللثام يخلق للمقاتل الشرس نوع من الحماية الذاتية والتي تعطيه المناعة ضد الخوف وهو بهذا قوي بذاته لا بذوات الآخرين . إن الذي يحصل هو أن مشاعر هذا المقاتل قد تهبط إلى أدنى مستوى ولا يبقى لديه سوى عمليات حسابية لكم وماهية من يقف أمامه ويتحداه ، أين يتحرك وكيف ، وكيف سيواجهه ومبلغ القوة التي يحتاجها ، وهو بهذا يتحول كما ذكرت إلى ( روبوت ) إنساني من لحم ودم .
إن سبب وضع اللثام يعبر عن خوف المهاجم من ضحيته ومن التعرف عليه ، وخوفه أيضاً من تقابل وجهه الإنساني بوجوه أخرى قد تؤثر في إتخاذه لقراراته وقوة إندفاعه ، فوجوه الأطفال والنساء الخائفين عادة تعطي نسغاً إنسانياً ينتقل إلى وجه المقاتل ثم إلى قلبه وقد يتراجع أو يرحم ، فيقفل اللثام منافذ الرحمة ، ويصبح المقاتل أي واحد ولا أحد . إن الضحية لا ترى من المهاجم سوى عينيه وتقف قطعة اللثام هذه كحاجز أمام التواصل الإنساني . وقد توضع من قبل اللصوص والمجرمين فلا يتحرك أمامه سوى الهدف المادي المنشود والذي جاء اللص والمجرم من أجله .
إن الواعز الوحشي الغير إنساني موجود فينا جميعاً وللأسف ولكنه بدرجات متفاوته جداً ، فقد يكون بدرجة غير محسوسة لدى البعض ودرجة واضحة عند البعض الآخر ، ولأجل هذا تلعب عوامل عديدة ذاتية وموضوعية . وقد أجريت بعض الدراسات على جنود وطلاب أمريكان وأستُخدم في إحدى التجارب العلمية فريقين من الطلاب ، أحد الفريقين إرتدى لثام والثاني أخذ يلعب بدونه ، ووجد الباحث أن مرتدي اللثام هم أكثر قسوة وخشونة من الفريق الآخر والبعض منهم أخذ يحاول تعذيب الفريق الآخر حتى أخذ البعض منهم يصرخ مستنجداً أمام الكامرة لإخراجة من التجربة . إن وضع اللثام يعطي قوة مضافة للمواجهة ولكي يستنفر ويتضخم لديه الإيعاز بالهجوم فوق الحوافز الإنسانية . إن هذه العملية برمتها تحول الجنس الإنساني إلى جنس ثالث لا هو إنساني ولا هو حيواني ، بل بينهما ، والفرق هنا هو أن الحيوان يقتل ليأكل لا ليتلذذ بالقتل ، أما الإرهابي فهو يقتل لأجل الطاعة ولأجل إخضاع الآخرين لعقيدته أو مبدئه أو دينه ويحرك كل ما حوله وفق مقاييسه . إن هذا يشمل كل الحركات العنصرية في العالم والذي يستخدم أفرادها اللثام ، فكما هناك حركات عنصرية إسلامية دينية هناك أيضاً حركات عنصرية لجميع الأديان الأخرى يتراوح لثامها ما بين الأبيض والأسود والأحمر ، كما هناك أيضاً حركات عنصرية عرقية لسيادة الرجل الأبيض على ما عداه من الألوان ، وهناك أيضاً النازيون الجدد الذين يستخدمون شكلاً آخر من اللثام ، وكل أشكال اللثام وألوانه تصب في اللون الأسود والذي يُدخل مرتديه في بئر عميق مظلم ليغرق فيه بكل قيمه ويُسقط عنه جلده الإنساني ليعوضه باللثام الذي يخدر كل عصب إنساني فيه ويحوله إلى خشب متآكل .
|