قِيَمُ آلْغَدِيرِ [٣]

                  

   {بَلِّغْ} {يُبَلِّغُونَ} {أُبَلِّغُكُمْ} {أَبْلَغْتُكُمْ} {بَلَاغٌ} {أَبْلَغُوا} {بَلَّغْتَومن ذلك نفهم؛

   ١انّ التّبليغ لا يتحقّق الا بوصول الأَمر، الرّسالة، الى مُنتهاه، فلا يكفي ان تلقيالحُجّة فقط أَو ان تُسقِط الواجب الذي تشعر بهِ إِزاء الرّسالة عن كاهِلِكَ، بل يلزمُك انتُكرِّر التّبليغ بكُلِّ الطُّرق والوسائل والاساليب حتّى يبلُغَ الامرُ أَجلهُ أَو مُنتهاهُ!.

   وانّ الذين يظنّون انّ التّبليغ لا ينفع مُخطِئون، فلقد حدّثنا القرآن الكريم عن حالِ هؤلاءِوكيف أَنّهم كانوا يُثبِّطون الرُّسل والانبياء عن تبليغ الرّسالة وردّ الأَخيرين عليهم بقولهِتعالى {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوامَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.

   لا ينبغي، إِذن، ان نصغي لمثلِ هذه النّماذج التي لا تُبَلِّغ رسالةً ولا تشجِّع الآخرين علىالتّبليغ بل انّ همّها التّثبيط دائماً، رُبما كطريقةٍ للهربِ من المسؤوليّةمسؤوليّة التّبليغ!.  

   والعكسُ هُوَ الصّحيح، ففي قصَّة نبي الله نوحٍ (عدليلٌ على وجوب الإصرارِ فيتبليغِ الرّسالة مهما كانت الظّروف، فمسؤوليتنا التّبليغ بغضّ النّظر عن التَّأثير، فلقدلبثَ نوحٌٍ عليه السّلام في قومهِ كما يحدّثنا القرآن الكريم بقولهِ {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰقَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًامن دونِ كلَلٍ أو ملَلٍ، وظلّ يُغيّر وسائلالتّبليغ وأدواتهِ خلال هذه الفترة الزّمنيّة الطّويلة، كما يصفَها لنا القرآن الكريم بقولهِ {قَالَرَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًاو {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْوَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًاو {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا}.

   هذا يعني أَنّك بحاجةٍ الى أَن تبذِل كلّ الجهد من أَجل ان تتأَكّد بانَّ رسالتكَ قد وصلتالى مُنتهاها، خاصَّةً في عصرِنا الحاضر، عصر التّكنلوجيا التي ألغت المسافات لتهطِلَالرّسائل على أدمغتِنا كالمطرِ، فتشتدّ المنافسة، كمّاً ونوعاً، الأَمر الذي يتطلّب المزيد منبذلِ الجُهد ليس فقط لتبليغِ الرّسالة وانّما للتأكُّد والتثبُّت من أَنّها قد استقرّت في الهدف،ما يتطلّب التّكرار والإعادة بطرقٍ شتّى، والا فانَّ توالي الرّسائل الكثيرة المُضادّة فيفترةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ جداً قد تُحسب بطَرفةِ العينِ، تُلغي تأثير الرّسالة التي مرّت عليهادقيقةً رُبما!.

   مُشكلتُنا انّنا نتعب بسُرعةٍ من تبليغِ رسائلِنا ولذلك فانّ أَسهل سلاح للهرب او التّهرُّبمن هذا الواجب هو تكرارُنا العبارة (مَيفيدأي (لا ينفعوكأَنّنا نستسلم للتّحدّي، خاصَّةً علىمستوى تربيةِ الأَطفال والنَّشء الجديد، فبينما يستقبل الطّفل مِئات الرّسائل في السّاعةالواحدة بما في ذلك الرّسائل المُتناقضة، لا يستقبل من الوالدَين مثلاً الّا رسالةً واحدةً خلالاليوم، فكيف سيُرَبّي الأبوان أولادهُما؟ وكيف سيتحدّى الأولاد ضغط الرّسائل المُضادّةوالمُتتالية؟ وكيف سيحمي الوالِدان أَولادَهُما؟!.

   ٢ومن أجلِ ان تترك عمليّة التّبليغ أَثرها الفاعل والإيجابي عند المُتلقّي، ينبغي ان ننتبهَالى حاجةِ الزّمان والمكان، من خلال دراسة نوعيّة التحدّيات التي يعيشها المُتلقّي، لتكونَعمليّة التّبليغ علميّة وفي محلّها وليست خارجة عن الحاجة وعبثيّة!.

   هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر ينبغي ان نمتلكَ الخبرة الكافية لفِهم نفسيّة المُتلقّي وروحيّتهُوما يُؤثّر عليهِ من وسائل وأساليب، فليسَ كلّ المُتلقّين يتأثَّرون بنفسِ الأُسلوبِخاصَّةًالنّشء الجديد، والى هذا المعنى يُشير قول الله عزّ وجلّ {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِوَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

   حتّى الأولاد في العائلةِ الواحدةِ يلزم على الوالِدَين ان يكونا خبيرَينِ بمعرفةِ أمزجتهِمونفسيّاتهم ليُمارِسوا مع كلِّ واحدٍ منهم أُسلوباً للتّربية والتّعليم والتّبليغفانّ أحد أكثرالاسباب شيوعاً لفشل الوالدَين في تبليغ الرّسالة للابناء هو الجهل بنفسيّاتهم، أو عدمالأخذ بها بنظر الاعتبار عند التّبليغ ولذلك يتمرّد الأبناء على الآباءفيسمعونَ من غيرهِمولا يصغون لهم!.

   صحيحٌ انّها عمليّةٌ شاقَّةٌ ومتعِبةٌ، ولكنّها في نفس الوقت ضروريّةٌ اذا كنّا جادّين فيعمليّة التّبليغ وننتظر منها أَن تترك الأثر الإيجابي المطلوب، والا فالعمليّة ستكونُ في غيرِهذه الحالة عبثيّة ومضيعة للوقتِ ليس الّا، كما انّها ستكونُ سبباً لمنح الرّسائل المُصادّةفرصة التَّأثير السّلبي شِئنا أَم أَبينا