مفاعلات الجمعة

 

نسمع عن اليورانيوم وعن تخصيبه وعن نسب التخصيب التي تتصاعد حتى تصل مستوى يسمح بصناعة سلاح نووي قاتل أعمى مدمر ومخيف. وهكذا فالتخصيب المستمر يحول بعد جولات وجولات مادة خام الى مادة متفجرة ومدمرة.

وحتى لا يساء فهمي دعوني أولا، أشير إلى أن السطور الآتية لا تتعلق بالبعد العبادي لصلاة الجمعة ووجوبها والحث عليها من عدمه، ولا تتعلق بها كصلاة وصلة مع الخالق ومحطة طمأنينة وهدأة روح وسكينة كيان والخطبة كنافذة وعظية تنمي المجتمع وتفقه في الدين وتدعو للبر والخير وتنشر الخلق.

أنا أتناول ما يمارس يوم الجمعة من نشاط بظاهر عبادي لا يمت برأيي لما جاء به محمد (ص) بحسب قوله (إنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق) و(المسلم من سلم الناس من يده ولسانه).

وكل انسان له مجموعة معارف وثقافات تتنوع أو تنحسر، فهناك من له تفكير نقدي، وهناك من له عقلية منساقة منقادة لا تفكر ولا تتأمل يستهويه الضجيج وينعق مع كل ناعق.

وداخل كل انسان هناك يورانيوم ما، طاقة كامنة ما، وكل جمعة يعمل الخطباء التحريضيون على تخصيب هذا اليورانيوم خطبة بعد خطبة جمعة بعد جمعة أحقاد تلو أحقاد تحريض اثر تحريض وعنف عقب عنف.

عملية مستمرة لصناعة قنابل تكتيكية، وأسلحة مدمرة تختلف درجة الدمار الذي قد تتسبب به من شخص الى آخر، بحسب كثافة التخصيب وقابلية المادة العنفية الخام في داخله للتخصيب، وبحسب العقلية المتحكمة بذلك الكيان.

المحصلة النهائية هي صراعات متعددة وعنف وعنف مضاد، فتحريض وتحريض مضاد لتتسع الدائرة وتتداخل الدوائر التي تصنعها أسلحة دمار شامل (تكتيكية) متناثرة على اتساع خارطة الشرق الأوسط الاسلامي.

فكرت في السؤال: ترى هل اسرائيل مدركة لهذه النعمة التي هي فيها وهل تحرص عليها؟ الجواب وببساطة متناهية، نعم.

إتفق معي أو اختلف، الاسرائيليون استراتيجيون جيدون، والحروب الصغيرة هنا وهناك حولهم التي تستهلك كل جوارهم وتبقيهم في منأى (الى حد كبير) عن أن يكونوا طرفا من أطراف القتال، هذه الحروب بهذه القنابل النووية البشرية التكتيكية ستجعل الشرق الأوسط بحرا من خراب تعيش وسطه جزيرة اسرائيل بأمان.

وهنا لن أفاجأ إن سمعت من محلل اسرائيلي أن اسرائيل أو يمينها تحرص على ديمومة طقوس الجمعة (التخصيبية) لأنها تخدم في المحصلة أهدافها.

فبالنسبة لهم، ماذا يتبقى؟ ما التهديد المقلق؟ وما السيناريو المخيف لاسرائيل أو أين تقع مكامن الخطر الأخرى؟ هل هما السلاحان النوويان الباكستاني والايراني؟

أما الأول، الباكستاني، فإذا وقع في الأيدي (الخطأ) فهناك احتمالان في باكستان هما، أن يصل سلاحها النووي لأيدي متطرفين قوميين وهؤلاء لا يرون في اسرائيل عدوا وستكون الهند هدفهم المفضل، أو أن يصل لأيدي متطرفين أصوليين اسلاميين وهؤلاء سيفضلون ضرب إيران على ضرب اسرائيل فعندهم عداوة الشيعة مقدمة على عداوة اسرائيل (يصرحون بذلك ولا يهمسون به).

وأما الثاني، الايراني، فاسرائيل تخطط لضربه في الوقت المناسب (لها) لأنه التهديد الأبرز والذي ستحاول اجهاضه قبل وصوله لمراحله النهائية.

فيما يستمر سوق الجمعة (لتخصيب أفكار الدمار الشامل) في عمله ويمضي الشرق الأوسط والمنطقة العربية إلى نفق بطول لا يقل عن مائة سنة من الصراع الداخلي.