بان يجافي الحقيقة ويحرف البوصلة

 

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 

 للمرة الثانية على التوالي يوجه السيد "بان كي مون" الأمين العام للمنظمة الدولية برفع اسم المملكة العربية السعودية عن قوائم الجهات المسؤولة عن القتل والعنف، فبعد أن تم رفع اسم المملكة عن "قائمة العار" –القائمة السوداء- الخاصة بقتل الأطفال في اليمن في غضون يومين من إدراج اسم المملكة عليها، نتفاجأ مرة أخرى برفع اسمها من قائمة الجهات المسؤولة عن العنف ضد المدنيين!!.

 فهل السعودية غير ضالعة في موجة العنف التي تضرب المنطقة والعالم بأسره بمنظور الأمم المتحدة؟ ولماذا يتم إدراجها في كل مرة على قوائم قتل الأطفال والمسؤولية عن العنف ضد المدنيين ومن ثم يقوم الأمين العام برفع اسمها من تلك القوائم؟

 يدرك المجتمع الدولي بأسره إن هناك اتهامات كثيرة توجه للسعودية بتبنيها للمؤسسات الدينية ذات التوجه التكفيري المتطرف وقيامها بتبني جماعات وجهات متطرف مدرجة على لوائح الإرهاب الدولي، ورغم ذلك تستمر المملكة بمد تلك الجهات والجماعات بالأموال والأسلحة وتسهيل حركة ما يسمى بـ(الجهاديين) عبر الحدود، وآخر اتهام صدر ضد المملكة جاء من جهات غربية وعلى لسان المرشحة الديمقراطية أثناء حملتها الانتخابية والتي طلبت من السلطات السعودية بالكف عن تمويلها للجماعات الإرهابية.

 وبما إن المملكة تدعي ان جميع التصريحات والتقارير مجرد اتهامات تقف خلفها رغبات وتوجهات وخصومات سياسية، فإن ما يحصل في اليمن من قتل يومي يطال المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ سببه قاذفات الصواريخ السعودية من المقاتلات f16الأمريكية الصنع لا يحتاج إلى قرائن وأدلة تثبت وجود عدوان سافر على بلد جار، وإن جميع لجان تقصي الحقائق أظهرت مدى تسبب القصف الجوي بقتل مئات المدنيين من أطفال ونساء.

 فالسعودية بهجومها المفاجئ قبل أكثر من عام على اليمن الجارة الجنوبية لها، خرقت جميع المواثيق الدولية وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة الخاصة بحسن الجوار وعدم الاعتداء على الدول أي دولة، كما انتهكت قرارات مجلس الأمن الدولي التي تمنع استخدام العدوان المسلح على دول الدول دون أخذ أذن أو قرار من المجلس، ورغم ذلك قامت المملكة بشن حرب شرسة وبشكل منفرد على دولة جارة يعاني شعبها الفقر والأزمات الداخلية.

 ولعل من أهم ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة من نصوص، هو ما جاء في المادة الثانية من أنه "على أعضاء الهيئة أن يمتنعوا جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة"، إلا أن الميثاق سمح للدول باستخدام القوة فقط في حالة الدفاع الشرعي عن النفس، ولكن بشروط مشددة حددتها المادة 51 من الميثاق، ويمكن تلخيصها بالشروط التالية:

 ‌أ. أن تعتدي قوة مسلحة على دولة عضو في المنظمة الدولية.

 ‌ب. وجوب قيام الدولة المعتدى عليها بإبلاغ مجلس الأمن فورا بما تمّ من تدابير اتخذتها الدولة المعتدى عليها.

 ‌ج. في حال اتخذ المجلس أيّ تدابير لحفظ السلم والأمن الدوليين، ينتهي ردّ فعل تلك الدولة المعتدى عليها.

 وبذلك فإن الأعمال العنيفة السلوك العدواني المفرط الذي قامت به السعودية ضد اليمن، شكل خرقاً جسيماً للقوانين الدولية التي ترعى السلام في العالم، وإن جميع الأفعال المخالفة التي ارتكبتها القوات المسلحة السعودية والمجاميع المسلحة التي تدعمها بالمال والسلاح والفكر التكفيري المتطرف، عدّتها المواثيق والأعراف والقانونية الدولية بأنها تشكل جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية.

 فلو صدقنا فعلاً ما زعمته السعودية بأنها استخدمت حقها في الرد على ذلك العدوان بموجب المادة(51) من الميثاق، فهل تقيدت المملكة بالقيود والشروط التي وضعتها تلك المادة، كي تعدُّ فعلاً في حالة دفاع شرعي عن النفس؟ وهل قامت بإبلاغ مجلس الأمن قبل البدء بحملتها العسكرية ضد اليمن؟

ومن خلال المعطيات الواردة أعلاه يتضح إن السعودية خرقت معظم قواعد قوانين الحرب العرفية والاتفاقية، لعل من أبرزها العقوبات الجماعية، وهي السمة الواضحة التي تميز هجماتها العسكرية في اليمن، إذ إن أغلب قصفها الجوي والمدفعي الحدودي لم يستهدف القطعات العسكرية ومن يتحالف معها، بل كان موجهاً ضدّ أغلب السكان المدنيين ابتداء من البيوت السكنية وانتهاء بالمستشفيات والمصانع والبنية التحتية كالكهرباء والماء والمدارس ومحطات الوقود، وجميع هذه الإجراءات تعدُّ ضمن العقوبات الجماعية حيث إنها موجهة ضدّ مجمل السكان من دون تمييز، وليست محصورة ضدّ المقاتلين كما تنص عليه قواعد قانون الحرب.

 أما فيما يخص دورها بإنشاء الجماعات المسلحة وتغذيتها فكرياً ودعمها مادياً وتسليحها على أعلى المستويات وتجهيزها بأحدث الأسلحة، فتلك حقيقة لا تخفى المتتبع للازمات الحاصلة في المنطقة ومدى الدور الكبير الذي تلعبه السعودية في مناطق الصراع في المنطقة ومدى إصرارها على تغذية النزعات الطائفية المسلحة وقيامها بتأسيس تنظيمات مسلحة تم تصنيفها على قائمة الإرهاب العالمي في سوريا والعراق ودول أخرى، والتي أدت إلى إزهاق أرواح الآلاف من المدنيين أكثرهم من الأطفال والنساء إضافة إلى تدمير معظم البنى التحتية في جميع مناطق الصراع.

 وعلى المستوى الداخلي فالسجل السعودي حافل بالانتهاكات ضد المدنيين سواء كانوا ناشطين حقوقيين أو معارضين سياسيين أو ضد حقوق المرأة والعمالة الأجنبية التي قامت السلطات السعودية بطرد وترحيل المئات منهم دون سابق إنذار.

 وبالتالي، بات واضحاً وفق القانون الدولي إن حرب السعودية على اليمن وتبنيها لجماعات إرهابية مسلحة تعد في حدّها الأدنى "جرائم الحرب" وقد تصل في بعض الأحيان إلى "جرائم ضد الإنسانية"، ولا شك إن المدنيين هم الضحية الأولى لجميع الصراعات التي دخلت السعودية طرف فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وعليه لا بد للأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام السيد بان كي مون بإعطاء إجابات وافية وواضحة عن مواقف المنظمة الدولية تجاه السلطات السعودية ولماذا يتم رفع اسمها من قوائم القتل والإبادة والمسؤولية عن العنف ضد المدنيين.