العدد الحادي عشر وصول يهود العراق الى المستعمرة الاسرائيلية
.
رحلت العوائل اليهودية من العراق بطرق شرعية واخرى عكس ذلك ,وبعد وصولهم  الى الكيان الصهيوني نقلوا بالشاحنات الى ما يدعى (يشعار هعاليا) وهـو المركـز الكبير المخصص للمهاجرين الشرقيين الذي يقع جنوب حيفا(1).
والقسم الاخر وهم من الطبقات الراقية  وصلوا الى مطار اللب بالطائرات ,فنقلوا ابضا بنفس الطريقة الى المستعمرة .واستقبلتهم الطائرات الاسرائيلية وهي ترشق عليهم مادة ( D.D.T )(2), , مما أثار استغراب العوائل اليهودية القادمة من العراق!
و قالوا لهم لماذا تفعلون معنا ذلك ؟
جاء الرد اليهم بانهم كانوا يحملون القذارات و جرذان وصراصر وفئران , فقابلهم يهود العراق بالاستنكار لهذا الفعل السخيف قائلين لهم نحن قادمون من بلد راقي ونظيف .
ولم تكتفي الحكومة الاسرائيلية بحملتها التي اطلقت عليها اسم حملة التعقيم , بل تم فحصهم بدقة ثم اسكنوا الخيام التي قضوا فيها سنوات طويلة .
وتم منعهم من دخول المدن الفلسطينية التي تحت سيطرة الكيان الصهيوني وتأخروا كثيرا في الدخول اليها بما يقرب ثلاثة سنوات حيث اوقفوا وتوطنوا في منطقة المعابر وهي عبارة عن خيام رثه ومناطق شبه صحراوية .
واستقبلهم رئيس الوكالة اليهودية ليف شكول(3) الذي كان يعارض بن غريون حول توطين ومجيء يهود العراق بسبب حالة التقشف التي تعيشها اسرائيل سنة 1951م , فامر بتنفيذ وصايا الحكومة الاسرائيلية في توظيفهم في الاعمال الوضيعة  التي يستنكرونها ويعتبرونها اعمال لا تليق بهم ,كتوظيفهم عمال في تبليط الشوارع وقطع الاشجار وحفر المستنقعات لفضلات الانسان .
وتبين فيما بعد كل ذلك بسبب ضغط ليف شكول على بن غريون بعدم دخول يهود العراق من اجل تنفيذ خطط التقشف وقبولهم فيما بعد .
كان الانتقال المفاجئ لليهودي العراقي من السكن في بيت مؤثث ويعمل تاجرا او في مهنة اخرى ، الى العيش في خيمة تحت التجربة حتى يؤهل لمجتمع  الكيان الصهيوني اثره المؤلم من الناحية النفسية والمادية على جيل الشباب بشكل خاص الذين كانوا اوائل ضحايا النشاط الصهيوني في العراق ، فغلب عليهم شعورا بالعجز والاضطراب ، ومما زاد من مأساوية اوضاعهم سوقهم ذكورا وإناثا قسرا للخدمة في الجيش الصهيوني(4).
ومن جانب اخر كانت قيادات الحركة الصهيونية في العراق وفلسطين تنظر بعين الحقد والضغينة الى العناصر اليهودية التي التحقت بصفوف الحزب الشيوعي ، حتى بعد تهجيرهم من العراق، وينقل لنا يهوداً اطلس نظرة قادة الحركة الصهيونية بخصوصهم فيقول : كان بين الذين قدموا من العراق(5) يهوداً ينتمون الى الحزب الشيوعي وباعداد كبيرة حيث استقبلوا من قبل اعضاء الحركة بالسخرية … ودار جدل عاصف حول هؤلاء ، لقد تذكر اعضاء الحركة دور هؤلاء في عصبة مكافحة الصهيونية ورفضوا قبولهم داخل المخيم(6) ، كان قادة الحركة من اشد المعارضين في ذلك الوقت لاستيعابهم داخل المخيم ولم يهدأ الخلاف حتى بعد وقت طويل من عودتهم الى اسرائيل (7).
وان الطائفة اليهودية العراقية ضمت عشية مغادرتها الى الكيان الصهيوني 12656 طالب ابتدائية بينهم 8446 من الذكور و 4210 اناث و172 معلم ابتدائية و 1000 مدرس و4000 طالب في المراحل الدراسية الاخرى(8)، واكثر من مئة طبيب ، وعدد من المحاميين والمهندسين والصحفيين.
وبعد ان نفذ يهود العراق رغبات الصهاينة في اختيار الهجرة الى اسرائيل  اكتشفوا بأنهم لا يستطيعون على التكيف والاندماج مع المجتمع الجديد.
ولكن البعض منهم لم يختار فلسطين المحتلة كوطن , بل ربما هؤلاء يرفضون فكرة اقامة الدولة الاسرائيلية , ولذلك كان اختيارهم الدول الاوربية , أذ يذكر شبلاق : ان الطائفة اليهودية في العراق كانت اخر من اخذ رأيها في ترتيب واجراءات الهجرة ، ان الذين ملكوا فرصة الاختيار لم يختاروا اسرائيل عند مغادرتهم العراق ، فكانت وجهتهم بشكل خاص اوربا والولايات المتحدة الامريكية(9).
ونتيجة الاوضاع الصعبة والظروف المعيشية التي واجهة يهود العراق في الارض المحتلة ,مما دعاهم الى اظهار التذمر منها , فقاموا بمظاهره في تل ابيب في تموز عام 1951 ، احتجاجاً على سياسة التمييز العنصري والاجراءات المشددة التي تتخذها سلطات الكيان الصهيوني بحقهم(10) .
وكان الكيان الصهيوني قد يعامل اليهودي العراقي بسياسة التميز العنصري , فعلى سبيل المثال على المستوى التعليمي عندما  كان يهود العراق يعيشون في موطنهم الاصلي  كانت كلية طب بغداد تضم ستين طالب في الصف الواحد بينهم عشرة يهود من المجموع في حين لم يقبل عام 1951 أي طالب يهودي عراقي في كلية الطب في الكيان الصهيوني , وان عدد الطلاب اليهود الذين تخرجوا عام 1947من المدارس الثانوية العراقية بلغ 651 طالباً في حين ان عدد الطلاب اليهود العراقيين عام 1957من الذين اتموا دراستهم الثانوية في الكيان الصهيوني لم يزد على 86 طالباً(11).
ويصف اليهودي (Leon Barkho) حاله واقرانه في الكيان الصهيوني الذي مارس مع اليهود نفسهم التميز العنصري بهذا الوصف : ((نمشي بخطوات واهنة مثل البوم وحيدا في الصحراء))(12).
وبعد ذلك ارادت العوائل اليهودية العراقية ان تعوض نفسها عما فقدته من حياة هانئة ومستقرة في العراق , فعمدت على التكتل في احياء خاصة عرفت (بالأحياء العراقية) في المناطق الواقعة شمال تل ابيب ، ضمت كنساً ومقاهي ذات طابع عراقي ، ونشاطات اجتماعية اخرى مختلفة ، وفرت شكلاً طائفياً معيناً لحياتهم الجديدة(13).
وهنا نود انتباهكم ايها القراء الاعزاء الى ما ذكرناه في الاعداد السابقة حيث قلنا بان اليهود في العراق لم تكن لهم احياء خاصة بهم في بلادهم الاصلية ,بل يعيشون في كل مكان من مدن واقضية ونواحي العراق على العكس من كل يهود العالم .
والسؤال يفرض نفسه !
كيف نذكر بان اليهود العراقي او الشرقي كان يعامل بسياسة التميز العنصري وبعضهم منح مناصب رفيعة في دولة الكيان الصهيوني ؟
والاجابة هي ان مناصب المجال السياسي كانت حصرا بأولئك الذين اظهروا نشاطاً في الحركة الصهيونية السرية في العراق .
وقد برز من بين يهود العراق عدد من الشخصيات السياسية مثل شلوموهيلل الذي تولى رئاسة الكنيست عدة مرات 1951- 1955- 1985, وعين وزيرا للشرطة 1969ـ1977(14).
وموشي شاحال من قادة حزب العمل البارزين ، وموشي نسيم وزير مالية سابق ، وشوشانا اربيلي الموزلينو ، وزيرة صحة سابقة ومن قادة حزب العمل ، ومرد خاي بن بورت عضو الكنيست للدورتين 1965 و 1969 وموشي ليفي رئيس اركان سابق(15).
وبنيامين بن اليعازر الذي تولى عدة مناصب قيادية في الجيش الصهيوني وانتخب عضواً في الكنيست عام1984 ، وتولى ايضا منصب وزير المواصلات ووزيرا للدفاع في حكومة اريل شارون عام 2000(16).
ولكن مع سياسة التميزي العنصري التي اتبعها الصهاينة مع يهود العراق , الا ان الكيان الصهيوتي كان يعلم بما يحملونه من مؤهلات وقدرات ومستوى علمي متطور , فهذا الامر جعل الحكومة الاسرائيلية تستعين ببعضهم للعمل في المصارف وشركات التامين رغم انهم لا يحظون بالثقة المطلوبة ، وعملوا كمحامين ومحاسبين واطباء في المستشفيات, فكانت فائدة الكيان الصهيوني منهم كبيرة.
و اما البقية وهي الغالبية العظمى فقد عاشت وظلت تعاني من مشكلات التكيف والتغير التي رافقت دخولهم مجتمع الكيان الصهيوني ,و لم يتمكنوا من الاندماج في المجتمع الجديد بعد ان وجدوا انفسهم في بيئة اجتماعية مختلفة جداً عن حياتهم السابقة التي عاشوها في العراق ، ويصف المربيرغر(اليهودي المعادي للصهيونية) حياة يهود العراق في الكيان الصهيوني بالقول : ((ان 120 الف يهودي عراقي يعيشون في الوقت الحاضر في مكان لا يرغبون العيش فيه))(17).
، وبقي يهود العراق يشكلون مجموعة متقوقعة حول نفسها حيث كانت نسبة الزواج داخل مجموعتهم عام 1952 اعلى نسبة بين كل المجموعات الموجودة داخل الكيان الصهيوني وبلغت 92% ، واقتصرت محاولات اندماج يهود العراق وتكوين علاقات اجتماعية فقط مع اليهود القادمين من الاقطار العربية الاخرى كمصر وسوريا ولبنان ومع يهود الاقطار الاسلامية بوجه عام(18).
ومن الدلائل الاخرى التي تؤكد مدى وحجم معاناة يهود العراق داخل الكيان الصهيوني هي الهجرة المعاكسة لليهود من اصل عراقي ، فقد اشارت الاحصائيات السكانية الى تناقص عددهم بمرور الوقت ، فبعد ان شكل يهود العراق نسبة 12% من سكان الكيان الصهيوني عام 1951 ، أصبحت نسبتهم 9،5% من السكان عام1993م (19).
وهنا لابد من الاشارة الى مجموعة من يهود العراق كانوا من سكان بغداد , فهؤلاء عندما هاجروا لم يذهبوا الى اسرائيل ,بل طلب اللجوء في لندن وقسم اخر في هولندا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمصادر
(1)     اليكس واينجرود ، اشكال التكيف الاثيني : توطين يهود العراق ويهود المغرب في اسرائيل ، عمان، مركز الدراسات الاستراتيجية ، 1995 ، ص18.
(2)     D.D.T ) مبيد حشرات.
(3)     اصيح قيما بعد رئيس وزراء اسرائيل سنة 1967و كان سببا في حرب حزيران التي ادت لى خسارة مصر والاردن وسوريا.
(4)     مأمون كيوان ، اليهود في الشرق الاوسط ، ص139.
(5)     يقصد الى ايران.
(6)     اقيم في ايران لإيواء اليهود المهجرين من العراق عام 1949.
(7)     يهودا اطلس  ، ص496.
(8)     Encyclopaedia Judaica Jerusalem , vol .8 , p. 1454.
(9)     Abbas Shiblak , op , cit ., p127.
(10)   المربيرغر ، اسرائيل باطل يجب ان يزول ، ص66.
(11)   حمدان بدر ، دور الهاغاناه ،ص267.
(12)   (Loon Barkho ,op , cit., ( Internet.
(13)   Leon Barkho , op . cit   .
(14)   انيس صايغ ، رجال السياسة الاسرائيلية ، ص66-67.
(15)   مأمون كيوان ، الحكومة الاسرائيلية الجديدة من المفاوضات الائتلافية الى التشكيل ، مجلة الارض ، دمشق ، العدد 9 لسنة 1992 ، ص45-46.
(16)   عبد الوهاب المسيري، الأيدلوجية الصهيونية ،ق 2، ص340.
(17)   المربيرغر ، اسرائيل باطل يجب ان يزول ،ص62 .
(18)   مامون كيوان ـ اليهود في الشرق الاوسط ، ص140ـ141 .
(19)   محمود ميعاري ، التركيب السكاني لاسرائيل ، بيروت ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1995،ص37و89.