سنحكي قصة شعب لم يفهم من الحياة إلا التطبيل والتمجيد , والخضوع لكل من استلم كرسي الحكم فيه , وبلد لم يعلم ابناءه إلا كيف يأخذ منهم دون ان يعطيهم فتحول الى ركام . بلد لا يشبه باقي البلدان في شيء .. فكل شيء فيه مختلف عما سواه وكأن الله قد قدر له ان يكون كذلك . سمائه تختلف وأرضه يختلف والناس فيه مختلفون. فمع ان شعبه لم يحكم نفسه على مدى الفي سنة فقد ظل يتغنى بالأمجاد والبطولات .. وعندما سنحت له الاقدار ان يفعلها فعلها بقرار اخرين وبخيارات اخرين ويمحي ذاكرته ليقول انها كانت ثورة .. وانه ازاح ملكا عضودا جاء له من دولة جارة , هتف الشعب وهلل لقيام الجمهورية مع انه لم يعرف ما هي مساوئ الملكية ولا محاسن الجمهورية ولم يؤخذ برأيه في كيفية الحكم الذي يريد , فاكتفى بإظهار قبوله بالهتافات والشعارات والرقص للجمهورية العتيدة الذي لا يعرف عنها شيئا. لا يهم ان كان ( المنقلب ) دكتاتورا ام لا فكل ما يهم شعبي انه (الزعيم) الذي يرون صورته على القمر . وعندما زحزح الزعيم على يد اخر وبقرار من اخرين أيضا هتف الشعب لمنقذه الجديد , ولا يهم ثانية ان كان الجديد دكتاتورا المهم انه ملهم . لم تنتهي قصة شعبي مع الزعماء فما زال في الجعبة هتافات كثيرة ولازال شعبي متعطشا لإثبات ولاءه بالشعارات , فجاء أخطر وآخر (منقلب) ليكون زعيما وملهما وقائد ضرورة ونعمة من نعم الله سبحانه وتعالى , فكما ان شعب بلدي فتن بالهتافات كان القائد الضرورة مفتونا بان يهتف له , فما كان منه إلا ان يلبي رغبة الشعب في التمجيد ويقتل من يقتل ليضل الشعب يهتف له . قاتل دولا مجاورة نيابة عن دول اخرى فتحول الى ضرورة تاريخية وتحول البلد الى بوابة شرقية لإخوة جعلوه بوابا , وظل الشعب يهتف مع انه لم يعرف يوما لماذا قاتل ومن اجل ماذا . وبتحول الضرورة التاريخية هذا الى فرعون تاريخي تعالت الهتافات اكثر وكاد الشعب ان يعبده تلبية لرغبتهم في الاستعباد . وعندما جاء الاخرون ( الكبار ) وأزاحوا الفرعون قال الشعب لقد تحررنا ليقول الاخرون الكبار نحن احتلال فيرد عليهم شعب الهتافات اذا لقد قمنا بثورة على فرعوننا وأهلا بالاحتلال . رويدا رويدا اصبح الاحتلال احتلالين وأصبح الشعب شعبين .. شعب يهتف لهذا و شعب يهتف لذاك ويحتضن احد الاحتلالين هذا ويحتضن الثاني ذاك لينقشع الضباب ويدرك الشعبين ان لا شيء جمعهما يوما غير الهتافات . هكذا هو شعب بلدي هتف لكل شيء ومجد بكل شيء وزيف كل شيء ففقد كل شيء. وانهمرت ثورات الربيع العربي على المنطقة كالسيل ليحاول احد (الشعبين) محاكاتها .. وما الضير من ذلك ؟ فربما تنفع الهتافات في هكذا ثورات , فبدا يهتف واستمر بالهتاف ليكتشف ان الانتصار لا يأتي بالشعارات والطنين , وانه قد وقع في حضن من كان لهم بوابا قبل سنين . فهل تنفع الهتافات وهذه التراهات في احضان الاشقاء والشقيقات ؟ ام ان هناك ضريبة يجب ان يدفع من قبل ( الشعبين ) ؟ ان ضريبة مفارخ الدكتاتوريات والفراعنة لا تكون كضريبة من يقاومونها , فضريبة الثائر قد تكون حياته لكنه يدفعها مرة واحدة اما ضريبة الهاتفين والمطبلين فتدفع مرات ومرات , وأتصور اسفا ان شعبي المفتون بالشعارات والقابل للاستعباد عليه ان يدفع ضريبة المفارخ . حكاية بلدي لم تنتهي بعد فلازال في الاحداث بقية لكن هل بقي من هذا البلد بقايا تقاوم السيناريوهات؟
|