واقصد بذلك، اكبر الفائزين واكبر الخاسرين، فاذا شهدت الانتخابات، اية انتخابات في اي بلد، مثل هذه المعادلة فذلك يعني انها سليمة بدرجة كبيرة، وقد حققت جوهر الغرض من ورائها، وهذا ما تحقق في الانتخابات الاخيرة التي شهدها العراق الجديد الاسبوع الفائت (انتخابات مجالس المحافظات) فلقد اظهرت النتائج النهائية فوزا كاسحا لكتلة المعارضة، ان صح التعبير، وهي (كتلة المواطن) التي حصدت حوالي ضعف المقاعد التي كانت قد شغلتها في الانتخابات السابقة، لتكون بذلك الفائز الاكبر في الانتخابات، فيما عد الائتلاف الحاكم (دولة القانون) وتحديدا الحزب الحاكم، اكبر الخاسرين والذي خسر الكثير من مقاعده فيما اخفق في الحصول على الاغلبية في كل المحافظات خلافا لما كان عليه في المرة السابقة عندما حصل على هذه النسبة في اهم محافظتين وهما العاصمة بغداد والبصرة الفيحاء، فضلا عن انه فشل في الحصول حتى على الاغلبيات المريحة في كل المحافظات تقريبا، فلقد تراوحت عدد المقاعد التي حصل عليها في جل المحافظات بين (25% و 30%) تقريبا. شخصيا، لا تهمني الاسماء والمسميات من الفائزين والخاسرين، وانما الذي يهمني بالدرجة الاولى هو الانجاز، فانا اقدر واقيم الكتل والافراد على اساس انجازاتهم وليس على اساس انتمائاتهم، ولذلك، مثلا، اعتبر ان اعادة انتخاب الفاشل في اية محافظة من المحافظات سواء على اساس الولاء الحزبي او التعصب المذهبي او التحشيد الطائفي، جريمة كبرى لا تغتفر، وهو الامر الذي حصل هذه المرة في بعض المحافظات، ومنها كربلاء المقدسة، والتي ظل يحكمها (الحزب الحاكم) على مدى ثمان سنوات من دون ان تشهد المحافظة المقدسة اي تغيير جذري يذكر على الرغم من ضخامة الواردات والاستقرار الامني ووحدة المكون الاجتماعي. لقد جاءت نتائج الانتخابات الاخيرة لتوضح وتثبت الكثير من الحقائق والغايات، كما انها جاءت لترد على الكثير من الشكوك والظنون التي ظل يعتقد بها كثيرون، والتي قدرت نسبتهم ربما باكثر من (50%) وهي النسبة التي عزفت عن المشاركة في الانتخابات لمثل هذه الاسباب. اما الحقائق التي ثبتتها النتائج فهي: اولا: وعي الناخب العراقي الذي تمكن به من تحقيق مبدا الثواب والعقاب وهو جوهر الديمقراطية كما نعرف، فلقد تمكن الناخب بوعيه تغيير الكثير من الوجوه الفاسدة والفاشلة، كما انه نجح في حمل عدد كبير من الوجوه الجديدة بصوته، والتي نتمنى ان تكون بمستوى المسؤولية فتنجح هذه المرة وتصلح وتنجز وتثمر نزاهتها اصلاحا وتغييرا كبيرين، لتغير الصورة النمطية المطبوعة في ذهن الناخب ضد المسؤولين. ثانيا: لقد صرف المرشحون، كتلا وافرادا، اموالا طائلة لشراء اصوات الناخبين، كما انهم باعوا آمالا عريضة ووعودا كبيرة للناخبين لخداعهم من اجل التصويت لصالحهم، الا ان النتائج جاءت باقل بكثير من حجم الانفاق والتوقعات على حد سواء، ما يعني ان الناخب صوت بحرية وبارادة كبيرتين، لم تؤثر عليه كثيرا الاموال والوعود والمناصب التي قدمها له المرشحين، خاصة مرشحوا السلطة الذين بيدهم المناصب والوظائف الحكومية وغير ذلك، انه قبض من الجميع وفي نهاية المطاف منح صوته لمن رغب ووثق به. ثالثا: كما اثبتت النتائج بان الناخب العراقي ليس مع السلطة كسلطة وانما قد يكون معها اذا ما حققت له نتائج ملموسة على الارض، ان على صعيد الامن والتعليم والصحة وغير ذلك، والدليل على ذلك هو ما حققه ائتلاف السلطة من نتائج هزيلة وغير متوقعة في كل المحافظات تقريبا. رابعا: كذلك، فلقد اثبتت النتائج بان سياسة التحشيد الطائفي والتخندق وراء سياسة صناعة الازمات لم تغر الناخب كثيرا، بعد ان كشف الحقائق وميز بين الامور، فلقد هزم من ظل يراهن على صناعة الازمات. خامسا: ولقد ردت النتائج على الذين قالوا بانها محسومة سلفا فما فائدة المشاركة اذا كانت المشاركة من عدمها سيان؟. لقد وعد الائتلاف الحاكم ناخبيه بالحصول على الاغلبية في كل المحافظات من اجل ادارتها بنظام الاغلبية السياسية، ان صح التعبير، من دون الحاجة للجوء الى المحاصصة والمشاركة وغير ذلك، وهي الاسس التي اعتبرها معرقلة لعملية البناء والاعمار والاصلاح والانجاز، الا انه لم يحصل على مثل ذلك في اية محافظة، فاذا كانت النتائج غير محسومة للائتلاف الحاكم، فكيف ستكون محسومة لغيره؟. سادسا: كما اوضحت النتائج بان صندوق الاقتراع اداة فعالة في عملية التغيير في العراق الجديد، يمكن للناخب من خلاله ان يغير ويبدل ويثيب ويعاقب، وان العزوف عن المشاركة امر غير مجد، ولو ان الـ (50%) المقاطعة كانت قد شاركت في التصويت لكنا قد شهدنا تغييرا دراماتيكيا عظيما في ميزان القوى، ولذلك اتمنى ان يتعلم الناخب هذا الدرس في الانتخابات النيابية القادمة، ليمارس حقه في التغيير ليس بالانقلابات العسكرية والتآمر على السلطة، وانما بالاسلوب الحضاري من خلال صندوق الاقتراع حصرا. سابعا: واخيرا، قد يعتبر البعض بان هذه النتائج هي الاخرى اتت بنفس القوائم والكتل الانتخابية، فهي لم تغير سوى الوجوه، واقول: الف: حتى في الدول الديمقراطية العريقة فان صندوق الانتخابات لم يغير الاحزاب والكتل السياسية وانما يغير الوجوه فقط، فها هي الولايات المتحدة الاميركية مثلا، ظل يحكم فيها احد الحزبين المتنافسين (الجمهوري او الديمقراطي) منذ اكثر من قرنين، وان الانتخابات الرئاسية لم تغيرهما وانما تكتفي كل اربع سنوات بتغيير الوجه فقط، وكذا الحال بالنسبة الى الكونغرس بمجلسيه (الشيوخ والنواب). باء: ليس بامكاننا ان نستورد كتلا واحزابا وائتلافات من القمر او من المريخ، وانما بامكاننا فقط ان نغير المعادلات في كل استحقاق انتخابي للضغط على هذه الكتل والاحزاب لتغيير برامجها وتحسين اداءها. بمعنى آخر فان مهمة صندوق الاقتراع تنحصر في تغيير البرامج والقناعات، من خلال اثابة الوجوه الناجحة ومعاقبة الوجوه الفاشلة، وهذا ما سيحققه الناخب حصرا عند كل استحقاق انتخابي. لقد اعاد الناخب الثقة بكتلة المواطن هذه المرة بعد ان عاقبها في استحقاقين انتخابيين سابقين، بغض النظر عن الاسباب والمسببات، فيما عكس الظاهرة مع الائتلاف الحاكم الذي عاقبه هذه المرة بعد ان اثابه في الاستحقاقين الانتخابيين السابقين، وهذا هو بالضبط ما نامله من العملية الانتخابية برمتها، فذلك هو ما سيدفع (المواطن) الى ان تبذل قصارى جهدها من اجل تحسين الاداء من خلال الاستفادة من اخطاء الماضي، فيما سيلح على (دولة القانون) لاعادة النظر في سياساتها ومنهجياتها، كذلك من خلال اعادة نظر شاملة بما حصل من نتائج، فيما ستتعلم بقية الكتل، سواء الفائزة منها او الخاسرة، درسا مهما في الديمقراطية مفاده ان الباب مفتوحا امامها، فقد تخسر يوما وقد تفوز في آخر، ولذلك فان على جميع الكتل ان تفكر جيدا لتعمل جيدا . ثامنا: واخيرا، فلقد اثبت قانون الانتخابات الجديد تحديثا ملحوظا في خارطة تحالفات ما بعد النتائج، فلقد اتاج القانون للقوائم الصغيرة بالفوز ولو بمقعد واحد، بدلا من التهميش والاقصاء، فيما منع القوائم الكبيرة من الاستحواذ على اصواتها بحجة القاسم الانتخابي، فضلا عن انه مكن الناخب من تحسين ادائه ولو بنسبة ضئيلة.
|