قررت انا الفقير من كل أسباب الحياة الطبيعية العصرية، الا اجوع حتى في أشد نوبات الجوع التي تنتابني، وسأروض بطني الخاوية على الجوع، وأكون مواطناً صالحاً وباراً للحكومة لا أشكو، لا أتكلم، لا أتألم، لا أرى، ولا أسمع. قررت أن أستجيب لنداءات الحكومة، وأتقشف حتى أنشف، وأدفع رسم شهيقي وزفيري، فهواء وطني ملك عام، وللدولة فيه حكم الإلزام. قررت أن أمزق شهادتي الجامعية، وأمحو من ذاكرتي كل تلك السنوات التي قضيتها على مقاعد الدراسة، في جد وإجتهاد، وسأنحني للفاسدين والمزورين والمتلاعبين وأصحاب الوجوه المتقلبة الذين تربعوا في القمة وساسوا حياتهم وحياتي. قررت وأنا بكامل قواي العقلية، الا أمرض، ولا أتوجع، ولا أصاب بعدوى، كي لا ارهق ميزانية الدولة بنفقات علاجي، ولا أنافس الفقراء مثلي في طوابير إنتظار الموت في مستشفيات الحكومة، حيث لادواء، ولا غذاء، ولا رعاية، ولا عناية، ولا حتى طبيب يفهم. قررت أن أنام بالعراء، وأتقلب من رصيف الى رصيف، واترك للنوم ترتيب حياتي، ينسيني الجوع، وحلم البيت الموعود. قررت ان أشطب من قاموس حياتي كل عناوين الدنيا : زوجة، أسرة، اطفال، مجتمع، وأعيش وحيداً أجتر من جسدي الخاوي قوت يومي. قررت أن أتحرر من كل وثائق السجل المدني، وأحرق كل هوياتي، وأشطب إسمي من قائمة الأحياء. هذا وطني، هكذا يبدو، في عين الفقراء، وقراري فيه يبقى خيار الشرفاء في عرف الدولة والنظام.
|