وصف بغداد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
 في كتاب نُشر باللغة الانكليزية عن مؤسسة (brill) الهولندية العريقة والمعنية بنشر شؤون الأستشراق وآسيا بعنوان (مُدن العالم الأسلامي التاريخية) historic cities of the islamic world وهو من اعداد المؤرخ والمختص بالشؤون العربية والفارسية (كليفورد أدموند بوزوورث) , نُشر الكتاب سنة 2007 ويشرح فيه بأسهاب وبترتيب أبجدي تاريخ أهم المدن في العالم الأسلامي ومنها مدينة بغداد وفي جزء من هذا الشرح الذي يتطرق فيه الى هذه المدينة يذكر فيه أهم الجوانب الصناعية والاقتصادية والتجارية في فترة النصف الثاني من القرن التاسع عشر:
في سنة 1831ترك الطاعون والفياضانات اثراً فظيعا على بغداد,معظم البيوت في الجانب الشرقي قد دُمِّر واغلب منطقة الكرخ كذلك والأسورة المحيطة ببغداد على كلا الجانبين أُحدثت بها فجوات بسبب الفيضان واصبحت المدينة في وضع مزري مقارنة بأيام حكم الوالي العثماني داوود باشا وبعد ذلك في سنة 1837 بدأت المدينة بالتعافي تدريجياً من النكبة التي اصابتها وكان عدد سكان بغداد في تلك الفترة بلغ اربعون ألفاً وعندما قام السير فيلكس جونز بمسح المدينة في سنوات 1853-1854 كانت الامور قد تحسنت وذكر وجود 63 حياً في منطقة شرق بغداد و25 في الكرخ معظمها احتفظ بأسمه في الفترة ما بعد الفيضان وبدأ عدد السكان يزداد تدريجياً في منتصف القرن التاسع عشر حيث وصل في سنة 1853 الى ستون الفاً وفي سنة 1867 قُدِّر عدد الرجال بـ67273 الفا وخلال سنة 1877 وصل الى مابين سبعين الى ثمانين الفا وفي سنة 1890 وصل العدد من 80000 الى 100000 وفي سنة 1900 ظل عدد السكان في بغداد مراوحا لـ100000 نسمة وفي سنة 1904 وصل التقدير الى 140000 الفا وبحلول سنة 1918 قُدِّر عدد سكان بغداد بـ200000, كان الرحالة الوافدون الى بغداد معجبين بالمزيج المتجانس للأعراق المكونة للسكان في بغداد وتنوع الألسن والحرية التي يندر وجودها في ذلك الوقت والتي يتمتع بها غير المسلمين  وروح التسامح المنتشرة بين الناس وهذا المزيج ترك بصمته على اللغة المحكية لسكان بغداد .
فاللغة العربية هي الشائعة في هذه المدينة والسكان من العرب هم الاكثر بسبب ورود العناصر القبلية العربية اليها وازدياد الاعداد المستقرة منها في بغداد وغالباً ما يتجمع السكان المنتمين الى عنصر معين او قبيلة معينة في حي واحد يجمعها , حيث يشغل الاتراك الاحياء الشمالية بينما يقطن المسيحيون واليهود في نفس احيائهم القديمة شمال وغرب منطقة سوق الغزل , معظم الايرانيين يعيشون في الجانب الغربي , لكن الكرخ عموماً مشغولة من قبل العرب وعلى الرغم من ان جميع السكان الذين يعتنقون الديانات الثلاث يتكلمون العربية جميعا الا ان كلاً منهم يتكلمها بلهجة خاصة به .
توجد في بغداد بعض الصناعات منها المنسوجات , المشغولات الحريرية , الاقمشة القطنية , الانسجة التي يدخل في تركيبها الصوف والحرير وقطع الاقمشة المطرزة بالاشرطة القطنية والملابس القطنية الخشنة والمصنوعة خصيصا للبس مع الحجابات والعباءات .
كانت الانسجة الحريرية تتمتع بالشهرة والاقبال عليها لألوانها المتنوعة وجودة صنعها كذلك كانت بغداد تتمتع بصناعة الاصباغ الممتازة وايضاً الدباغة التي كانت من الصناعات الاساسية في المدينة حيث كان هناك مايقرب الاربعون مدبغة في منطقة الباب المعظم كما ان صنعة النجارة والسيوف كانت متقدمة في ذلك الوقت وكان هناك مصنعاً عسكرياً لأنتاج الأنسجة .
كانت اسواق بغداد مسقفة وبعضها ليس كذلك مثل سوق الغزل وفي رأس الجسر في الجانب الشرقي من المدينة يوجد هناك مكان تجمع رئيسي للتجارة توجد فيه اسواق السراي , الميدان , الشورجة وسوق الملابس والتي أُعيد بناؤها من قبل داوود باشا وسميت بعض الاسواق بصناعات اشتهرت بها هذه الاسواق مثل سوق الصفافير , سوق السرَّاجين , سوق الصاغة (الذي عُرف بصناعة الفضيات) ,سوق الخفَّافين ...الخ .
يوجد في بغداد شارعان رئيسيان , واحد يمتد من جهة البوابة الشمالية حتى ينتهي الى النهر عند جسر بالقرب منه والثاني يمتد من البوابة الجنوبية وينتهي عند السوق الكبير (في سنة 1915 تم ربط البوابتين الشمالية والجنوبية بطريق عُرف فيما بعد بشارع الرشيد)
خلال سنة 1862 حاول نامق باشا ان يقوم ببعض الاصلاحات في هذين الشارعين وفي سنة 1889 قام سرِّي باشا بتحويل الميدان الى ساحة مفتوحة مع حديقة . في سنة 1869 كان مدحت باشا قد اسس اول مجلس بلدي اصدر اوامر بفتح الشوارع .
في سنة 1879 أُسست البلديات التي كان من واجباتها أعمال التنظيف وتأسيس شبكات المجاري وأُعتمدت انارة الشوارع بمصابيح الكيروسين وأناطة هذه الأعمال الى متعهدين , لكن في الواقع فقط الأحياء المسكونة من عِلِّية القوم هي التي كانت توضع فيها الأنارة .
مع بداية القرن العشرين اصبحت بغداد تغطي مساحة ما يقارب الأربعة أميال مربعة , بقايا سور المدينة من الجهة الشرقية هُدِمًت من قبل مدحت باشا وسوِّيت مع ضفة النهر مما شكَّل مستطيلاً وعراً طوله ما يقارب الميلين وعرض يبلغ ميلا واحدا , حوالي ثُلث هذه المساحة تشغلها قُبور وخرائب فيما الباقي من هذه المساحة بأتجاه الجنوب مغطى ببساتين النخيل .
الكرخ عموما بدت اعلى من الجانب الشرقي للمدينة بالمقارنة مع مستوى النهر لكنها كانت اصغر حجما منه , في سنة 1882 كان في بغداد 16426 منزلا , 205 خاناً أو نُزل , 39 حماما عموميا , 93 جامعاً , 42 مسجدا , 36 كُتَّابا لتعليم الاطفال , وفي سنة 1903 كان في بغداد 4000 دكانا , 285 مقهى , 135 بستانا , 145 جامعا , 6 مدارس اساسية , 8 مدارس لغير المسلمين , 20 تَكية , 12 مكتبة , مكتبة عامّة واحدة , عشرون كُتّاباً لتعليم الصبيان , 8 كنائس , تسعة مدابغ للجلود , معمل واحد لأنتاج الصابون , 129 مشغلاً للحياكة , 22 معملاً للنسيج .
مع حلول سنة 1909 كان هناك تسعون الف منزل , ثلاثة مطابع خاصة , ستة كنائس وستة معابد لليهود فيما وصف شكري الآلوسي 44 جامعاً في شرق بغداد و18 في الكرخ .
في فترة الحكم العثماني انجبت بغداد بعض الشعراء المميزين مثل فضّولي البغدادي , عبدالباقي العمري ,مؤرخين مثل مرتضى نظمي زاده , احمد بن عبدالله الغرابي , محمود شكري الآلوسي وفقاء مثل عبدالله السويدي , ابي الثناء الآلوسي . في سنة 1930 وما بعدها توسَّعت بغداد لترتبط بالأعظمية والكاظمية نحو الشمال .
 
رابط الكتاب :