رحيل يأبى المغادرة

 

 هناك محطات في العمر لا تمحوها السنين مهما طالت ، أوتباعدتَ عنها…

وفي الحياة عدد لا يحصى من  الذكريات ، لكن ما يبقى في الذاكرة منها ، وعصي على النسيان رغم  فعل الزمن ، هو ما يرتبط بحدث معين ، سواء كان في الحزن ، أو الفرح ، أو حتى في مسيرة الحياة الاعتيادية العادية …

 

وقبل يومين كان بيني وبين الشاعر حسن عاتي الطائي اتصال هاتفي ضمن تواصل لا ينقطع بيننا ، عرج فيه  الى ذكرى رحيل الرئيس جمال عبد الناصر في الثامن والعشرين من ايلول سبتمبر ، التي  صادفت امس الاربعاء ، أي قبل 46 عاما ، شهدت الامة العربية  خلالها أحداثا كبيرة ، غاب عنها عبد الناصر ، وافتقدته فيها كما يُفتقد (البدر في الليلة الظلماء) ..

 

ووجدت أنه الى الأن  لا يزال وقع  هذه الذكرى كبيرا عليه ، كما هي في  نفوس ووجدان محبيه ، وهو الذي  أحب عبد الناصر الى حد أن  تكون ذاكرته وعقله  قبل مكتبته ، هما ارشيفه الخاص في تسجيل حياة عبد الناصر وما حفلت به من احداث ومحطات  بما فيها الخاصة (انسانا وقائدا) ، كان يتابعها من خلال مطالعاته بما ينشر عنه..

 

ومما ظل عالقا في الذاكرة من الذكريات في ناحية كميت ، في الستينات من القرن الماضي ، ومرت في ذهني خلال حديثنا ، أنه كان  يحتفل في صباه  بذكرى ثورة 23 يوليو تموز بطريقة كانت تبدوغريبة انذاك ، وصعبة على ذلك العمر ، لكنه يريدها أن تكون متميزة وتلفت الانتباه ، وتناسب صاحب الحدث ، فبعد أن يكون قد هيأ حلويات بسيطة تناسب (مصروفه اليومي) الذي كان يحصل عليه من الاهل أنذاك ليوزعها على من صادف وجوده من الاصدقاء يعبر نهر دجلة ، الذي يمر بالناحية ويقسمها الى قسمين ، سباحة بعد أن ينهي عبد الناصر خطابه بالمناسبة  مباشرة ، وعادة ما يكون ليلا ،  تعبيرا منه بما كان يناسب (عمره أنذاك) ، عن  قدرة عبد الناصر على مواجهة المخاطر التي كانت تعترض طريق  الثورة ، ومشروعه القومي والمؤامرات التي يحيكها اعداؤه وقدرته على الوصول بسلام الى الضفة الاخرى ، رغم كل تلك التحديات والمخاطر الاستعمارية …

 

 وفعلا كما يقال (من الحب ما يصنع الاعاجيب …) …

 

وبعد أربعة أعوام سيكون نصف قرن قد مر على رحيل الرئيس عبد الناصر  …

 

وبعد عامين سينقضي قرن كامل (مائة عام ) على ميلاده  ، لكنه سيبقى حيا في الذاكرة ، ويأبى رحيله المغادرة ..

 

 

{{{{

 

كلام مفيد:

 

لا نحكم شعبا الا بأن نريه المستقبل ، القائد هو تاجر الأمل …(نابليون بونابرت)