إذا حلُمتَ بشيء ما، وصدقته جدًّا، تآمر الكونُ كلّه من أجل تحقيقه!" تلك إحدى أجمل العبارات التي وردت في رواية "الخيميائي" لباولو كويللو. تذكرتها وأنا أقرأ قصةً واقعية مدهشة في مجلة غربية، وددتُ أن أقصها عليكم، لكي نخرج من أحزاننا، ونتغلّب على نقائصنا، أو ما نظّنها معوقّاتٍ ونقائصَ، قد تعطّل حياتنا وتبطئ خُطا مسيرتنا. وكما تقول المجلة، هذه القصةُ هي هدية لكل مَن يعاني نقصًا ما أو إعاقة. حكاية تقول ببساطة، وبصوت عالي النبرة: لا مستحيلَ ثمة. مؤخرًا، أجريت مسابقة للرقص في الصين. وفاز فيها اثنان يمثلان فريقًا واحدًا. شابة، وشاب. شابان مختلفان عن بقية المتسابقين، وفريدان في عالم الرقص. لذلك ظل جمهورُ الحضور يصفق لهما وقوفًا مدة طويلة، ودون انقطاع. هي، كانت راقصة بارعة. تواظب على تمارين الرقص منذ طفولتها. وفي حادث مأساوي، فقدت ذراعها كاملا من جذر منبته بالكتف! لبرهة من الزمن سقطت في لجّة اليأس والإحباط. ثم قررت أن تعوّض عجزها بإنشاء مدرسة لتدريب الأطفال على الرقص. على أنها أدركت أن حبها للرقص يسري في شرايينها مسرى الدم، وأن لا مهربَ لها منه، إلا إليه! الفراشةُ الجميلةُ مازالت شغوفةً بالرقص، رغم انكسار أحد جناحيها. بدأت في أداء بعض الحركات الأولية التي كانت تتقنها في طفولتها، لكنها كانت تسقط من فورها. لأن فقدانها ذراعًا أفقدها القدرةَ على التوازن. شقّت على نفسها وحاولت وكافحت، مرّاتٍ ومرّات. ثم راحت تطوّر تصميم الرقصات لتتوافق مع تركيب جسدها الجديد، الذي خسر جزءًا من بنائه. كانت ترقص وحيدة في الأستوديو الخاص بها، بعيدًا عن العيون، خجلا ورهبةً من مواجهة الناس بإخفاقاتها وعثراتها. هو، الشابُّ الفائزُ، فلم يكن راقصًا. كان مجرد شاب فقد ساقه في حادث، وسقط أيضًا في بئر الحَزَن والقنوط العميقة، تلك التي لا قرار لها. ثم حدث أن التقيا. كان هدفها الفوريّ مساعدته ليغدو إيجابيًّا تجاه الحياة من جديد. علّمته كيف يرقص بساق واحدة. وفي أستوديو الرقص الخاص بها، ذلك المأوى الذي تهرب إليه من العالم والعالمين، رقصا معًا. ومن جديد صممت رقصاتٍ تناسب تركيبَ جسمه المبتورة ساقه، والعصا الخشبية التي يتوكأ بها على عجزه. معًا، خلف أبواب الأستوديو المغلقة، كانا على قلب إنسان واحد يعترك العجزَ، لكن يدعمه التحدي والإبداع والعزم، في بعض الأحيان، وفي أحيان كثيرة أخرى، كان معًا قلبًا يكسره الإخفاق. كانا يطمحان إلى ما وسمه الآخرون بـ"المستحيل". واجها صعابًا وإحباطاتٍ وهزائمَ وانكساراتٍ، كانت تُخرج لهما لسانها وتقول بصوت عال ومتعالٍ: ’توقفا! انهيا فورًا ذلك العبث!‘ وكانا يفترقان. ثم تناديهما الوحدةُ والشعور بالفقد والعجز، فيلتقيان، ليحاولا من جديد. وقد ازداد تصميمهما على المُضيّ في الطريق الشاقّ، الشائق. وفي الأخير، أنجزا بالفعل رقصتهما المشتركة. ثم كان القرار الأصعب؛ أن يرقصا أمام أصدقائهما المقرّبين؛ ليعرفا آرائهم فيما أنجزاه طوال تلك المدة داخل أسوار الشرنقة التي شهدت دموع شابين رفضا الاستسلام للعاهة، ورفضا التسليم بنقصيهما عمن سواهما. ثم رقصا خارج الشرنقة للمرة الأولى؛ فأذهلا الأصدقاء الذين شجعوهما على الاشتراك في المسابقة. اشتركا في المسابقة. فازا. وصورت رقصتَهما تليفزيوناتُ العالم. شاهد الرقصةَ المتفرجون، فبكوا. وشاهدتُها فبكيتُ. بكيتُ إجلالا ليد الله الرحيمة التي لا تقطعُ إلا لتوصلَ، وبكيتُ لمعجزة الإرادة. وبكيتُ احترامًا لذلك الفن الرفيع: فراشتان مبتورتا الأجنحة ترقصان كأجمل ما يكون الرقص وتقدمان فنًّا من أرقى ما يكون الفن! يقول جورج برنارد شو: "أنتَ ترى الأشياءَ الموجودة، فتقول: "كيف، ولِمَاذا؟" بينما أنا أحلمُ بأشياء غير موجودة فأقول: "ولِمَ لا؟" لا شكّ أن كلَّ عالِمٍ ومخترع ومبتكر ومُنظِّر ومفكر ممن يحلمون "خارج الصندوق"، يفكرون هكذا، وإلا ما ابتكروا ما لم يخطر على بال إنسان، فيقدموا للبشرية ما كانت تظنه حلمًا. ولا شكّ كذلك أن كل مبدع يردد العبارةَ السابقة ذاتها، وإلا ما أبدع قصيدة، أو لوحة تشكيلية، أو قطعة موسيقية تدهش الناس. ولا شك أن تلكما الفراشتين كان في بالهما مقولة "شو"، فحققا ذلك الجمال المستحيل.
|