مدخل ======= يتمثل الواجب الاول في الدبلوماسية برعاية مصالح الدولة , ويكون الهدف الاول في رعاية المصالح هو جمع المعلومات عن كل شي يهمنا حول البلد الذي تتواجد به البعثة الدبلوماسية, بالاضافة الى المهمات الاخرى كرعاية الجالية وتسهيل النشاط السياسي والاقتصادي وتسهيل عملية التواصل بين الدول والمنظمات الدولية. وبسبب طبيعة العمل الدبلوماسي وتواجد السفارات في البلدان الاجنبية ,وحاجة العملين الاستخباري والدبلوماسي للمعلومات والمعطيات , لذا تكون هنالك عدة دوائر في وزارة الخارجية تحت ادارة مشتركة بين الخارجية والمجتمع الاستخباري (بشقيه الهجومي والوقائي) بسبب تشابك وتقارب الاهداف والاعمال , كالدائرة القنصلية والتشريفات ومركز الدراسات ومركز المعلومات وامن السفارات والدائرة القانونية وغيرها , فهي دوائر من صميم العمل الاستخباري بالرغم من تبعيتها للخارجية . وفي الدول المتقدمة , لابد ان يكمل الدبلوماسي دورة في الامن الوطني , وبالمقابل , لابد من ان يدخل كل عناصر الاستخبارات الخارجية دوره العمل الدبلوماسي قبل الانطلاق للعمل خارج البلد, ولابد ان يخضع كادر السفاره جميعاً للغربلة الامنية الكاملة دونما استثناء . =============== السفير جاسوس رسمي =============== تُعد السفارات والدبلوماسية في اي بلد , ومنذ القدم , بانها مراكز تجسس وعيون العدو , وكان السفراء يقومون بدور الاستخبارات الخارجية بشكل كامل , إذ لم تكن الامبراطوريات تمتلك اجهزة استخبارات , فكان السفير وطاقمه عبارة عن مؤسسة استخبارية في ارض العدو, وكان التعريف المبطن للسفير بأنه : الجاسوس الرسمي المعلن لبلده , فيما تعرف الدبلوماسية حديثاً بانها : فن ممارسة العلاقات الدولية والتمثيل الخارجي , كما يطلق على الشخص البارع واللبق في التعامل ذو القدرة على اقناع الاخرين بالدبلوماسي. ثم اخذت الدول تؤسس اجهزة استخبارات خارجية لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية , حيث كانت الدوائر الاستخبارية قبل ذلك تقتصر على الاستخبارات الحربية والجنائية. ================ تشابك وتشابه المهام ================ الدبلوماسية والاستخبارات جهازان منفصلان ولكنهما يكملان بعضهما البعض, حيث يعتبر الامن الخارجي من المهام الاساسية للامن الوطني وهو على عاتق الاستخبارات والخارجية معاً . فالخارجية عضو اساس ومهم في ادارة المجتمع الاستخباري, وهي داعم مهم واساسي للعمل الاستخباري خارج البلد, وتوفر الغطاء الدبلوماسي وجواز الخدمة وتزج ضابط الاستخبارات ضمن الوفود الدبلوماسية الذاهبة والوافدة بشكل سري ومحترف وتضع الحقيبة الدبلوماسية الحصينة في خدمة البريد الاستخباري , كما توفر الدعم اللوجستي الاستخباري لايصاله الى المصادر من خلال السفارات . ان الخدمة اللوجستية والغطاء الحامي الذي تمنحه صفة الدبلوماسي , لهما تاثير كبير في حماية عناصر الاستخبارات الخارجية وتأمين تنقلهم ونقل بريدهم وحركتهم . ان كل ادوار وانواع واساليب جمع المعلومات تكون من خلال العنصر الاستخباري داخل السفارات بالغطاء الدبلوماسي , حيث تتولى السفارات والقنصليات دوراً اساسياً في جمع المعلومات العلنية ومعلومات الجالية وما يجري في البلدان بما يخص الوطن وتدقيق الشركات والمستثمرين القادمين الى الوطن من البلد المعني وتدقيق موقفهم وسلامة عملهم ودورهم في بلدانهم, وتراقب تضخم اموال البعض من المسؤولين الحكوميين في الخارج وتتابع اخبار الجالية ونشاطاتهم الايجابية والسلبية وتنقلها الى المؤسسة الامنية من خلال تعاون الخارجية مع الاستخبارات. وتحصي الدوائر الدبلوماسية مانسبته 80% من البريد الواصل من السفارات بأنه بريد استخباري يحتوي على معلومات ومتطلبات واستفسارات الجهاز الاستخباري. كما تساهم الدبلوماسية في التغطية على المهام الاستخبارية من خلال الخداع الدبلوماسي , ومثال ذلك ماقامت به الدبلوماسية اليابانية في الحرب العالمية الثانية حين قامت بخداع الجانب الامريكي بمفاوضات لحل المشاكل العالقة بين البلدين , في ذات الوقت الذي كانت اليابان تتحضر لضرب ميناء بيرل هاربر , ولم تنفع صرخات الاستخبارات الامريكية التي كانت تشير للخطر , حيث مالت الحكومة للاخذ برأي وزارة الخارجية حول قرب التوصل الى اتفاق مع اليابان. ============== الامن الدبلوماسي ============== ان المقصود بالامن الدبلوماسي , بانه الامن الذي يستهدف البعثات الدبلوماسية الاجنبية داخل بلد ما , وفي ذات الوقت يقوم باعمال الحماية والمراقبة لبعثات البلد الدبلوماسية في العالم ,ومن هنا فانه يتعامل احياناً لحماية ومراقبة ابناء جلدته خارج بلاده , واحياناً يحمي ويراقب البعثات الاجنبية داخل حدود بلاده . فيتولى الامن الدبلوماسي حماية البعثات الاجنبية ومكافحة تجسسها ومراقبة وتقييم نشاطها و تدقيق حركتها وادوارها, وبالطبع فان الدور هنا للاستخبارات الوقائية وليس للهجومية , اي للاعمال التي تعيق اي اعمال تجسس او تجنيد في داخل البلد الذي تتواجد فيه البعثة الدبلوماسية الاجنبية , كما يقوم بمراقبة كل من يتصلون بعناصر البعثات الدبلوماسية الاجنبية لاسيما من العسكريين ورجال الامن , وفي ذات الوقت يركز رجال الاستخبارات على التواجد مع الوفود الوطنية المسافرة خارج البلد, ابتداءاً من وفود المفاوضات النووية الى وفود اجراء قرعة كأس آسيا للتوكواندو!!!. وننوه هنا الى الانفلات الاستخباري في العراق , حيث يستطيع اي ضابط عراقي بسهولة ان يراجع اية سفارة اجنبية ويدخل ويحصل على فيزا ويُدعى الى احتفالات ومناسبات في السفارات ويتواصل مع السلك الدبلوماسي الاجنبي دونما رقيب , وهذا امر في غاية الخطورة في كافة دول العالم , فدخول المواطن العسكري للسفارة الاجنبية ينتج عنه اتهام ومحاكمة عسكرية وقد يصل الى تهمة الخيانة . =================== الاستخبارات الدبلوماسية والعمليات =================== ان العمل المهم للامن الدبلوماسي يتمثل بالتواجد في سفارات بلاده تحت غطاء دبلوماسي , ويرأسه مدير محطة من رجال الاستخبارات الاكفاء حيث يدير العمل الاستخباري من موقعه داخل سفارة بلده وتحت حمايتها. ان التواجد الاستخباري في خارج البلاد على نوعين , اولهما التواجد الرسمي ذو الغطاء الدبلوماسي , والثاني هو التواجد العملياتي بعيداً عن السفارة . فبالنسبة للاول (اي التواجد الرسمي ) , فلاتوجد سفارة في انحاء العالم الا وكان بداخلها محطة استخبارات , وتًعرف كل المناصب في السفارات الا الاستخبارات , فهناك سفير ونائبه ياتيان من وزاره الخارجية , وهنالك الملحقيات التي ترسل فيها الوزارات ممثليها الى السفارات كالملحق العسكري والتجاري والثقافي وغيرهم, , اما القنصل الاول والثاني والمستشار ففي الغالب يكون مدير محطة الاستخبارات احدهم , وتتمثل مهامه الحقيقية خارج غطاءه الدبلوماسي بادارة العمل الاستخباري في البلد الاجنبي بكل مفاصله (عدا العمليات) . ان الغرض من اتخاذ الواجهات الدبلوماسية لمدير محطة الاستخبارات واعوانه هو لابعاد رقابة الامن الدبلوماسي للبلد الاجنبي الذي تتواجد به السفارة , ولكن في الغالب , يُكشف امر مسؤول الاستخبارات في السفارة برغم غطاءه بحسب خبرة الاجهزة الاستخبارية للبلد المضيف من خلال مراقبة عناصر السفارة وتقييمهم , واحياناً من قبل مجيئهم من بلدهم الام , حيث تتولى الاجهزة الاستخبارية المحترفة بدراسة كل فرد في السفارة الاجنبية حال تقديم اسمه من خارجية بلده , لذا فان لأي بلد الحق في رفض او قبول اي من طاقم السفارة من قبل مباشرته لاعماله بما فيهم السفير , ومن هنا نرى انه في الدول المتقدمة , ينتحل عنصر الاستخبارات صفه موظف في الخارجية حتى داخل بلده ايضا , لإبعاد اية شبهة ارتباط له بالجهاز الامني . اما النوع الثاني من العمل الاستخباري وهو العمليات, فلابد من ان تكون بمعزل عن السفارة , وبغطاء مدني محكم كي لايتم كشفها , ولتتمتع بحرية الحركة من دون مراقبة من اجهزة مكافحة التجسس للبلد المعني . لذا تتجنب الاستخبارات المحترفة مزج واشراك عناصر العمليات ضمن شعبة السفارة اوالغطاء الدبلوماسي , كي لاتقع في الاحراج , فتستعيض العمليات عن ذلك بانتاج واجهات مختلفة لها كشركة او مؤسسة سياحية او منظمة او زج عناصرها ضمن احدى المسميات, والمقصود من العمليات هو تنفيذ واجبات من غير جمع المعلومات كالمراقبة والخطف والاغتيال . ان مثل هذه العمليات لها رجالها الخاصين الذين يصلون الى البلد المقصود في فترة محددة , وقد يقودهم ضابط استخبارات يحمل صفة دبلوماسية , ولكن تبقى هذه المجموعة الخاصة بعيدة عن السفارة , وتنفذ واجباتها وتتحرك وتسافر تحت الكثير من المسميات , كمثال الموساد حين ارسل مجموعة تنفيذ اغتيال الى دبي تحت غطاء سواح وبجنسيات مختلفة . ==================== الاستخبارات والسياسة الخارجية ==================== تعتبر ممثليات العمل الدبلوماسي واجهة البلد, وتتحرك وتعمل على اساس انها مؤسسة تنفيذية لسياسات توضع وتدرس وتُقرُّ في المركز . ويمزج العمل الدبلوماسي مع الاستخبارات الخارجية ويوضع حد فاصل رفيع وضئيل جدا بحيث لا يميز المشاهد فروقاً بين الجهد البلوماسي والجهد الاستخباري. ان الدبلوماسية هي العين العلنية للدولة , وهي الجفن الحامي للعين الاستخبارية السرية , فمن اهم اعمال الدبلوماسية انها الاطار الرسمي الحامي والمسهل لحركة الاستخبارات خارجياً , وهي , في ذات الوقت المترجمة للمستخلص من الجهد الاستخباري . فعندما يؤشر الجهد الاستخباري ,مثلا, دورا سلبيا لحكومة ما ضد العراق , تقوم الدبلوماسية بالتحرك بالاسلوب الدبلوماسي للسيطرة على المشكلة وايجاد تواصل مع الدول المعنية. وتجدول وزارة الخارجية بالتطابق مع المجتمع الاستخباري تصنيفاً موحداً للدول (حليف استراتيجي , حليف , صديق , مؤثر , اقليمي , عدو , دول مهمة , دول غير مهمة , وهكذا) لكي تكون الاولويات موحدة بين العملين الاستخباري والدبلوماسي. كما يجب ان يكون الانتشار الدبلوماسي على اساس سياسات الدولة الخارجية المرتبطة بالامن الوطني والامن الاقليمي والامن القومي والامن الاقتصادي. وحتى التبادل الدبلوماسي والذي عادة ما يكون على اساس متوازن وعلمي , فإنه يخضع لدراسة ومراجعة في المجتمع الاستخباري, ويكون للاستخبارات وجهه نظر واضحة واساسية يحدد وفقها اين يتم رفع التبادل الدبلوماسي واين ينخفض. وتقوم الاستخبارات والمجتمع الاستخباري بوضع معيار للدبلوماسية لتطور نظرتها للصراعات والمخاطر , ويمكن ان نسمي هذا المعيار ب ( التوازن الاستراتيجي في الصراعات ), حيث تنتج الاستخبارات , من خلال معطياتها , ملفات للدبلوماسية حول الصراعات الاقليمية والمناطقية والدولية لتسهِّل العمل الدبلوماسي وتصحح مساراته على اساس علمي ومن خلال مراكز التحليل. فالدبلوماسية والمجتمع الاستخباري والمجتمع الامني ينتجون للحكومة الخط البياني للصراع مع العدو , وآفاق التوازن الاستراتيجي في الامن من خلال طرح الخيارات الدبلوماسية ومن ثم الناعمة واخيرا الخشنة ومن خلال تنظيم ادوات واذرع الصراع بشكل دقيق وصحيح مما يتيح للدولة رسم سياستها الخارجية بشكل واضح يمكن من خلاله الاجهزة الاستخبارية والدبلوماسية ان تقوم باعمالها بشكل متكامل دونما تصادم في الرؤى والمواقف. ====== خلاصة ====== العمل الاستخباري بطبيعته السرية هو عمل يتكيف مع مختلف الظروف , ويلبس مايشاء من الاقنعة التي تتيح له انجاز مهامه , ومن هنا فان احد اهم اقنعة العمل الاستخباري هو القناع الدبلوماسي , الذي يتيح لرجل الاستخبارات العمل بشكل آمن نسبياً بالرغم من تواجده خارج بلاده,وهو امر نفتقده في العراق للاسف , حيث لاتوجد محطات للمخابرات العراقية داخل السفارات بسبب قرارات مزاجية للخارجية العراقية , وضعف المطالبة الاستخبارية بذلك . وفي ذات الوقت , فإن الامن الدبلوماسي معدوم لدينا , فسفارات وبعثات الدول تسرح وتمرح دونما رقيب , بالرغم من اعتراف كل المسؤولين ان الساحة العراقية من ساحات الصراع الاقليمي والدولي المحتدم والذي يعكس التواجد المخابراتي الاجنبي في الشارع العراقي بكافة اشكاله ومستوياته . ان السفارات العراقية قد تكون الاكبر عربياً في الانتشار ولكنها الاقل في اداء الدور الاستخباري , حيث يفتقد البلد الى اية محطة استخبارية في اية سفارة في العالم . ان قصورنا في العمل الاستخباري الدبلوماسي في الخارج , وضعفنا الشديد في حماية بلدنا من التواجد الاستخباري الدبلوماسي الاجنبي هما وجهان لعملة واحدة هي الفشل الذريع في اهم حلبة من حلبات الصراع الاستخباري , والله الموفق.
|