ادم و دارون ( ٨ ) الشعور الصوفي بعظمة الخالق.. بقلم/ د. حيدر محسن جارالله

 

العراق تايمز: كتب الدكتور حيدر محسن جار الله

 

بعد ان اكتملت لدينا الصورة عن الآيات الرئيسية في القصة قصة خلق الانسان و عرفنا مفاتيح الآيات وصلنا الى النتائج المستفادة من هذا البحث القراني .

اولا ً ) ان الدين الاسلامي ممثلا بالقران لا يقف أبدا على النقيض من نظرية دارون بل بالعكس كل الشواهد و الآيات تقف موقفاً اقل ما يقال فيه انه داعم و مؤيد لو فهمناه بمقاييس اللغة و العقل و استنطاق النص فعليا و ليس اعتمادا على الحكم المسبق المأخوذ تعاطفا مع التراث

ثانياً ) ان نظرية النشوء و و الارتقاء لا يصح اتهامها بالإلحاد فهي كباقي نظريات العلم تنطبق عليها القاعدة الرئيسية للغاية من النظريات الا و هي تقديم التفسير الأكثر منطقية لظاهرة من الظواهر و بمعزل عن كون مكتشفها ملحد او مؤمن او لا ادري الهوى ( مشكك agnostic ) 
انها كنظرية نشوء الكون من الانفجار العظيم لا تستدعي أبدا الإلحاد للبروز في المشهد .
النظريات العلمية هي موضوعات محايدة تجاه الدين و غير معنية بمن هو الأصح دينيا ( المسلم او المسيحي او البوذي او الملحد ) 
ان شانها متعلق بموضوع اخر .

ثالثا ) ان نظرية التطور ليست دارون بل هي حصيلة اعمال مجموعة من العلماء الذين سبقوا دارون او تبعوه و لذا فمن العيب ان نتهم دارون بالقصور لكون من جاء بعده عدل على نظريته في الزاوية الفلانية او الجانب الفلاني فهذا ديدن العلم .
خذ مثلا مكتشف نظرية الذرة دالتون لم يكن هو اول من أشار لهذه الفكرة فقبله ديمقريطس و لكن دالتون هو اول من صاغها باطار علمي ذي قوانين مفهومة و لم يتوقف العلم بعد دالتون عنده بل اكتشفنا الجسيمات تحت الذرية ( النواة بشقيها البروتون و النيوترون مضافا الى الإلكترونات مرورا الى الكموم بأنواعها ) و توالت الاكتشافات وصولا لمفهوم الاوتار و لكن كل هذه الاكتشافات لم تغير من عظمة إنجاز دالتون و كون التفسير الذري هو الأساس الذي أكمله الإنجاز اللاحق .

مشكلة الرجعيين من رافضي النظرية انهم اما قارئون احاديو الجانب او انهم عاطفيون متحيزون بغير تفكر و تدبر 
و عائشون على احكام قبلية .
انهم لا يسعون للتفسير العلمي فعلا بقدر ما يريدونه ملائما لقوالبهم الموروثة . انهم يطلبون من الحياة ان تستجيب لأفكارهم و ليس العكس .

في النهاية 
هذا العمل هو عمل خاضع لمنهج التفسير الموضوعي للقران الكريم و لا أخفيكم ان هذه الرحلة أفادتني انا كثيرا و اضافت لي تمعنا و دراسة للغة العربية التي اعشقها.
هناك الكثير من الآيات التي تؤيد هذا التفسير و التي احتفظ بشروحها من اجل عمل مطبوع مستقبلي كما اني اتركها لخيال القارئ و تدبره هو لكي لا أحرمه متعة الرحلة فيها

ملحوظتان ختاميتان 
١. ان النشوء و الارتقاء هو عملية خلق و تخليق مستمرة و مخطئ من يعتقد ان الدين و نظرية النشوء طرفا نقيض يحتاجان الى منهج توفيقي بل ان منهج التطور مقبول قرانيا تماما.

٢. انا كشخص دارويني الفهم لنشوء هذه الحياة اعرف النظرية بتمام تفصيلاتها وتطوراتها و اعرف مدى انسجامها مع الدين .

كل مؤمن حقيقي سيجد الكثير من النظرة الصوفية المحلقة في سماء التوحيد عند معرفة حقيقة كونه يشترك مع جميع المخلوقات على هذه الارض بنسب واحد و انهم من ذات السلف النهائي المشترك

و سأقدم لكم سلسلة مقالات علمية في هذا الموضوع في المستقبل القريب لتعرفوا كيف ان النظرية السليمة هي النظرية التي تقدم التفسير الأكثر انسجاما مع نفسه و مع الظواهر و ضمن شروط المنطق بلا أفكار غيبية لا يرتضيها الله سبحانه و تعالى .