الظلم ظاهرة رافقت أولى خطوات الإنسان الوجودية حيث تحكي لنا الرواية التاريخية الديني كيف أن أولاد قابيل كانوا أول ضحية للظلم في الحياة، والظلم في المعنى الدلالي هو وضع الشيء في غير موضعه أما تعمدا أو إهمالا، بمعنى ألا نجعل من الشيء قائم بوظيفته الطبيعية جبرا عليه، والظلم أيضا تغيير جوهري في ميزان العلاقة الطبيعية وهو من جذر كلمة ظلم يظلم فهو ظالم أي متعد بفعله على غيره فجره من منزلة ما هو حق طبيعي إلى ما دون ذلك، والظلم كما قيل ظلمات بمعنى حجب النور الكاشف عن موقع العدوان، فكل ظالم هو معتد على ما هو ليس أهلا له. والظلم نوعان ظلم ذاتي بحق النفس وهو مذموم طبعا لأن الظالم هنا يجبر النفس المرهونة بشخصه أن تفعل ما هو غير لائق بها من ناحية الانصياع لشرورها أو عدم كبح جماح تطرفها، فهو ظلم محدود ولكن تراكمه وأنتشاره بين بني البشر يولد ثقافة عامة سلوكية لا ترقب في الإنسان متحكمات الضمير ولا قوة وتوازن العقل، فتحول الإنسان إلى حيوان أناني مفترس لا يمكنه السيطرة على إنفعالاته النفسية ولا يمنح عقله درجة من القوة لضبط علاقته مع الخارج، وظلم الأخر وهو الظلم الأكبر والذي لا يمكن أن يظهر أجتماعيا إلا من خلال تضخم وسيطرة الظلم الأول على تفكير وتعقل الإنسان، وهنا تصبح ظاهرة الظلم من مجرد تعد ذاتي محدود على القيم الذاتية بفعل إنكسار النفس وتجبرها إلى معول يهدم المجتمع والأخلاق والدين واحد من المتضررين به، لذا قيل من ظلم إنسان من أخية إلا أن يكون الظالم ظالما لنفسه أولا. الواجب المنطقي والعقلائي والطبيعي أن الإنسان عليه أن يرفض الظلم من حيث المبدأ سواء وقع عليه أو على غيره، والأصل أن الظالم الذاتي يجب أن ينبه ويعنف على ظلمه لنفسه فإن تمادى في ظلمه وغيه وجب على المجتمع التدخل لمنعه من الإضرار والتضرر من هذه السلوكيات، وهذا لا يعني الحد من الحرية الشخصية أو التعدي عليها في شكل ما أو تحجيم لحدود حق الإنسان في أن يختار ما يناسبه من سلوك فردي، له فقد يكون الظالم بؤرة خراب أجتماعي والتدخل هنا لمصلحة الفرد والمجتمع معا، كما لا يمكن أيضا القبول بواقع الظلم ونتائجه سواء من النفس أو من الغير، الواجب العقلي والمنطقي والأخلاقي أن لا يقبل الإنسان السوي أن يكون مظلوما أو أن يهادن الظالم، وإن قبل أو أستجاب لظلم الأخر هذا مؤشر على خلل في طبيعية ومنطقية الإنسان كونه مجبول على الأستواء وعدم القبول بالتعدي على حقه. القبول بمسمى المظلوم لا يتحقق إلا بشرطين موضوعيين أولهما أن هناك فعل تعدي أخرج الميزان الطبيعي بين حالتين من مداره المعتاد بأستخدام قوة الأول ضد الثاني، وثانيا عجز المظلوم عن رد الظالم من التمادي في غيه لضعف أو أستسلام أو قبول منه يحقق نتيجة وهدفية الخلل من التوازن، لذا فمثلا الصراع بين طرفين على تحقيق نتيجة بإرادتهما وإن تسبب بصرع أو إلحاق أذى بالطرف الأخر لا يعد من باب الظلم طالما أنه أختيار حر وليس إجبارا مقابل عدم رغبة في خوض الصراع أو النزال مهما كانت النتائج مؤلمة، فلا مظلوم بحرب يخوضها طرفين وهما مصممين على الرغبة في الأنتصار والأمثلة الكثيرة تقاس عليه. نرجع إلى قضية تاريخية أرتبطت عاطفيا عند الكثير من الناس بمفهوم الظلم والظالم والمظلومية، وهي قضية الإمام الحسين بن علي ع وثورته ضد عوامل الإنحراف السلطوي والأجتماعي والعقيدي بين الناس وتفشي الظلم الجماعي ضد المسلمين، سواء أكان هذا الظلم فرديا أو جماعيا يمارس ضد النفس وضد الأخر، فهل كان الحسين في هذه القضية مظلوما حقيقة كما هو موجود في الأدب التاريخي الشعبي والكهنوتي عند الغالبية الشيعية، أم أن القضية برمتها كانت أصلا مقاومة منطقية وعقلية حرة وأختيارية لمنهج الظلم والظالمين، الدراسة التاريخية والواقعية لمجريات الحدث تظهر لنا أن التصدي الشجاع والقوي وضمن محددات الواجب الإنساني والأخلاقي والديني للحسين كان فعلا بطوليا لم يتحقق فيه شرطي المظلومية، فالحسين لم يخضع لشرط الظالم بمنازلة إجبارية لا خيار فيها إلا الرضوخ للظلم أو الموت، ولم يكن أيضا غير قادر على دفع ظلمه بجرأة وإرادة قوية تمثل منتهى الإيمان بالحق والواجب والضرورة الحتمية، بل نازله منازلة الحر المؤمن بقدرته وحقه وواجبه الطبيعي برغم قلة العدد والناصر وتوقع النهاية بصورتها التراجيدية.
|