لنتحرى مع الحدث وتفاصيله من هو المظلوم ومن هو الظالم ومقدار المظلومية وكيفيتها كنتيجة لتراكم شعور وإحساس جمعي أجتماعي به؟، أو هل أن قتلة الحسين من ناحية التوصيف القرآني لهم ظالمين لأنفسهم بأتخاذهم منهج التحدي ضد الصراط الطبيعي الذي أختطه الدين للإنسان المؤمن، الظالم الذاتي لا يرتدع من القوانين الطبيعية والأخلاقية طالما أنها لا تشكل له خيار واحد لا مفر منه، ولكنه يرتدع من حد السيف والحقيقة النهائية وأحيانا حتى حد السيف لم ينفع في ضبط طغيان النفس ولا ينفع، فمن أختار الطغيان ومارسه وأضطهد حق الأخرين في تعد صارخ لضوابط الإيمان يعد فعله ظلما مركبا لنفسه ولغيره، ولكن في نفس الوقت هذا الظالم بحقيقة النص الديني يعد "ظلوما جهولا"، فهو ضحية أنحراف نفسي وديني لم تنفع معه محددات الوعد والوعيد والتهديد بهما، فهو مظلوم أيضا من جهة نفسه ومظلوم من جهة المؤسسة التي رعته وكونته دون أن تمنحه حصانة ضد ظلم نفسه والأخرين، مظلوم لأنه جهول بمبادئ الحق ومتطلبات الدين فلا غرو أن نرى الحسين في يوم النزال يبكيهم لا خوفا منهم ولكن خوفا عليهم من قدرهم السيء. نعم كان الحسين حرا ومستجيبا لحريته وفاعلا بإيمانه ولم يرضخ لظلم الاخر ولم يتعامل بسكونية ومسكنة المظلوم، فقد كان القتلة والمستبيحين لثورته وحقه في الدفاع المشروع والأخلاقي عن حق المجتمع وحق الإنسان في مواجهة الظلم هم المظلومين الحقيقين، مظلومين لأنهم لم يعرفوا حقيقة فعلهم مظلومين لأن الجهل والغرور ساقهم لموقع الظلم دون أن يكون عقلهم وإيمانهم بالدين قادر على أن يقف حائلا دون وقوع الجريمة، لكن المظلوم الأكبر كان المجتمع الإسلامي الصامت الراضخ لشروط الظالم والمستجيب له، المظلوم الأكبر هو من سمع بالثورة التي تدافع عن حقه ولم ينهض مستجيبا لإنسانيته الحرة، المظلوم الأكبر هو الدين الذي جعلوه أداة بيد الظالم ووسيلة لنشر الطغيان بعنوان حق السلطان في بسط السلطنة. هناك أيضا طبقة أخرى من المظلومين هم المغيبون عن أهداف ثورة الحسين وقضية التحرر وجدلية الحرية والثورة، هؤلاء هم على مر التاريخ مظلومين بصورة مستمرة حين نزع الكهنوت الديني منهم روح التمرد ضد الظالم ودجنهم تحت شعارات لا تمت للحسين بصلة من خلال زجهم بطقوسيات مازوشستيه الهدف منها جعلهم يحسون بالذنب والتقصير وكأنهم هم القتلة وهم الظالمون الذين لم يدركوا نجدة الحسين، هؤلاء اليوم أكثر مظلومية من كل الأخرين بالرغم أنم موقعهم الطبيعي كمحبي للحسين ومنهجه أن يكونوا في الصفوف الأولى للمقاومة الطبيعية والأخلاقية والإنسانية، إلا أنهم ومن خلال منهج الشعور بالذنب تحولوا إلى ظالمي أنفسهم بغير وعي وبغير إرادة تحت عنوان المقدس. وأخير المظلوم الأعظم هي قضية الحسين قضية الثورة والحرية قضية الإنسان الطبيعي في مواجهة الواجب الأخلاقي والإنساني، هذا الإنسان الذي سرق منه الأنصار المفترضين والأعداء الظاهرين منه روح الثورة في أن تنمو داخل عقله وفكره وضميره عندما سرقوا منه الفكر وأعطوه الشعار فقط دون أن يتمكن من ترجمة هذا الشعار لأنه محاط بكثرة القيود( ملعون من قام بأمرنا هذا حتى لو كان ابن فاطمة حتى يقو مهدينا بالأمر)، لقد سد الكهنوتي على الإنسان الحر طريق الثورة وصرفه للبكائيات والشعور المخزي بالمذلة والمسكنة ومهادنة الظالم، لقد سرق هؤلاء الثورة لمصلحة ما تجعل منها تجارة رابحة تدر مع كل دمعة قطعة ذهب ينتفع منها الدجالون وتستقطع من لقمة الجياع. لم يكن الحسين مع صحيح التوصيف المقنع مظلوما ولا يستحق كل هذه البكائية والنحيب، بل كان قدر الأمة وخيارها الأصوب في فرض المنهج الأخلاقي والإيماني في متابعة التطور الطبيعي لإنسانية الإنسان، لم يقم الحسين بثورته بداع مواجهة ظلم الخصم له مع فقدان الأمل بالأنتصار، كان عازما منذ أن وعى الظلم العام أن يكون رجاء المظلومين لا أن يكون واحدا منهم، لقد خدعنا الكهنوت طويلا بمقولة أن الحسين مضى "مظلوما مهتضما" ليسقط في دائرة التهميش وأستدرار العواطف ليلعب دور المسيطر والمحافظ على منهج أستحمار الناس البسطاء، وأستثمار هذه الحالة للسيطرة على العقول والقلوب وبسط سلطته الدينية بعنوان مظلومية الحسين، الظالم الأكيد بعد أستشهاد الحسين ع هم أثنان أولهما من يصر للآن ويتابع معتقده بأن الحسين خارج عن القانون وقد قتل بسيف جده، والثاني الذي يصر على أن الحسين مات مظلوما غير قادر على رفع المظلمة عنه وعن أتباعه ومحبيه كي يكون داعي نوح وبكاء وتسكين للثورة وقتل مبادئها.
|