يجري الحديث هذه الأيام عن حث الخطى قدما لتأسيس حزب سلفي معتدل في العراق هو الأول من نوعه لغايتين رئيستين كما جاء على لسان ، الدكتور سامي الجنابي ، أحد منظري السلفية في الخارج ، الأولى " لدفع التهم التي وجهت الى التيار السلفي بصفته المنتج للفكر المتشدد الذي لا يؤمن بالعمل السياسي السلمي وهذا محض افتراء ويتعارض مع الاصول العلمية لأبن تيمية ، القائل ( اهل السنة أعلم الناس بالحق وأرحمهم بالخلق ) ، على حد وصفه ، و الأمر الثاني هو ( التصدي للمشروع الطائفي بفكر علمي مبني على الاصول العلمية التي نطق بها الكتاب والسنة ) .
الحقيقة وفور الإعلان عن تأسيس الحزب السلفي تولدت لدي هواجس وتساؤلات عدة بمجملها عبارة عن استشراف مستقبلي لما بعد تأسيس الحزب ، إذ أن جميع الحوارات والنقاشات التي دارت بهذا الشأن حتى الان لا تعدو الحديث عن ضرورة تأسيس حزب اسلامي سلفي معتدل ، وان ليس في ذلك مخالفة شرعية ولا شائبة عليه وان في ولادته مصلحة للأمة والدليل قول فلان وفلان لأقناع السلفيين المعتدلين بجدواه ومشروعيته وقانونيته وضرورته ، واقول ومن خلال معايشتي للواقع العراقي وتعايشي مرغما معه بصفتي اعلامي اتعامل مع الأخبار يوميا فبإمكاني ان اتوقع جملة من الأحداث المستقبلية التي سترافق مرحلة الانبثاق وربما تسبقها ايضا ، فعلى افتراض ان الدعوات الى تأسيس هذا الحزب قد اثمرت ، وعلى فرضية ان الجهات المعنية في العراق قد وافقت على تأسيسه ، وان مكاتب الحزب قد باشرت اعمالها ، وان السلفيين قد انضموا اليها جماعات وافرادا ، وان الحزب قد ادرج ضمن قائمة الأحزاب التي يحق لها المشاركة في الانتخابات المقبلة ، وان الحملة الانتخابية لمرشحي الحزب قد انطلقت وعلقت صور مرشحيه وبوشر بانتخابهم والتي أتمنى ان لا تكون صورهم بلحى طويلة ولا دشاديش قصيرة ولا غتر حمراء اللون - خليجية - لأن النتائج ستكون محبطة للغاية لمؤسسيه ولجمهوره على الأقل ، " ماذا سيصنع الحزب السلفي حين تمزق لافتات مرشحيه تباعا بعد ساعات من تعليقها او يضرب معلقوها علقة ساخنة امام انظار الناس من دون ان يحركوا ساكنا ؟ وهذا امر وارد جدا جدا مع كل حملة انتخابية في العراق وبالأخص مع الأحزاب الجديدة الناشئة ، ما هو رد فعل الحزب أزاء اختطاف احد مرشحيه او اعتقاله او اغتياله وهذا وارد أيضا في الحملات الانتخابية العراقية وشواهده أكبر من العد والحصر على مدار 13 عاما ، ما هو رد الحزب في حال تزوير صناديق الاقتراع الخاصة بالدوائر الانتخابية التابعة لجمهوره او القريبة منها ، بل ما رده لو هاجمت ميليشيات مسلحة تلك الدوائر بمختلف انواع الأسلحة ، وهذا متوقع وامثلته بالمئات ، ماذا لو حصل الحزب السلفي على اصوات تؤهله لترشيح ناخبيه الى البرلمان او مجالس المحافظات ثم تفاجأ بإلغاء المراكز التي فاز فيها بذريعة التزوير وما شاكل ، ماذا لو تم حل الحزب بقرار مفاجئ صادر من أعلى الجهات الرسمية بعد الموافقة على تأسيسه ؟ ماذا لو اقتحمت قوة مسلحة تابعة لهذه الجهة أو تلك وما أكثرها مقر الحزب الرئيس وجمعت اسلحة الحراس بعد اعتقالهم ثم زعمت بأن المقر بمثابة وكر للإرهاب وان الأسلحة غايتها القيام بانقلاب عسكري او تمرد مسلح وهذا وارد جدا ؟ ماذا لو شنت على الحزب هجمات اعلامية من قبل أحزاب سنية مناوئة ، اسلامية او ليبرالية ، تجد فيه منافسا لها ومزاحما طارئا لجهودها وسارقا لجمهورها في مناطق نفوذها ودوائرها الأنتخابية ؟ ماذا لو اضطر الحزب الى الدخول في ائتلاف او تحالف او اتحاد مع احزاب علمانية ويسارية وليبرالية يناصبها العداء ، تخالفه منهجا وفكرا لزيادة عدد الأصوات بحسب نظام الانتخابات ؟ ماذا لو نجح احد مرشحيه بالدخول الى البرلمان ومن ثم تمت ازاحته او اقالته او رفع الحصانة عنه لاحقا بذرائع شتى ، ماذا ستكون ردة فعل الحزب الناشئ تجاه مثل هكذا مفاجآت، هل ستغضب قياداته وتخاصم وتصدر فتاوى تهاجم بها الآخرين وتنتقص منهم وترميهم بالردة والبدعة والضلالة وربما يتطور الأمرالى التكفير ايضا ؟ هل سينظم اعضاؤه اعتصاما ، اضرابا ، عصيانا مدنيا ، تظاهرات حاشدة ، مثلا لتشن ضدهم حملة كبرى كما فعل بأحزاب وكتل كانت اقوى منهم واكثر خبرة ودراية بالعمل السياسي فأصبحت في ضمير الغيب لاحقا ؟ هل سيحول الحزب الجديد منابر اهل السنة والجماعة ممن يتولى اعضاؤه إمامتها والخطابة فيها الى مراكز للدعايات الانتخابية والرد على الخصوم السياسيين واماكن لتوزيع المطويات البوسترات والملصقات الدعائية بدلا من الوعظ والإرشاد ، مع ان المصلين المتشككين بكل السياسيين ممن يعانون من الفقر والبطالة والعوز والفاقة والنزوح والتهجير والمرض والخوف والجوع والقلق في غنى عن كل ذلك وليسوا بحاجة الى اقحام السياسة في خطب جمعة سعوا اليها إمتثالا لأمر ربهم ومن ثم ليستريحوا قليلا من أعباء الحياة اليومية القاسية وليس بعد ذلك من شيء يذكر ؟ ما هو موقفه من سلفيين آخرين أمثال " الشيخ مهدي الصميدعي وابو منار العلمي وغيرهم ممن قد لا يجدون في تشكيله مسوغا شرعيا ولا مصلحة مرسلة تذكر وبالتالي فأن المواجهة معهم ستكون حتمية، فهل سينقسم الشارع السني حينئذ انقساما جديدا يضاف الى سلسلة الانشطارات الكبيرة التي مزقته إربا ، أم إن العكس هو الصحيح، بمعنى ان شمل السلفيين المعتدلين سيلتئم في العراق تمهيدا للم شمل العرب السنة تحت لوائهم لاحقا ؟ كل تلكم المخاوف تهدف للحيلولة من دون تكرار سيناريو الجزائر و(جبهة الأنقاذ ) في تسعينات القرن الماضي وما تلاها من فوضى عارمة بعد إلغاء الأنتخابات المحلية ، وتجربة ( حزب الرفاه ) بقيادة اربكان في تركيا التي انتهت بحل الحزب ومطاردة اتباعه ، وتجربة ( حزب النور) في مصر في السنوات القليلة الماضية ووقوفه الى جانب الليبراليين على حساب الإسلاميين ، فضلا عن الحيلولة من دون تحويل المساجد الى منابر للخصومات والمواجهات الانتخابية كما اسلفنا .
بعض المتابعين يعتقدون جازمين - من وجهة نظرهم - بأن تأسيس الحزب السلفي المعتدل في هذا التوقيت بالذات انما يأتي كرد فعل متعجل وغير مدروس كما ينبغي له ان يدرس على مؤتمر الشيشان ، الذي أخرج السلفية وعقيدتها من قائمة ( اهل السنة والجماعة ) وقصرها على أهل التصوف في الخلق والعلم والتزكية ، الأشاعرة والماتريدية في الأعتقاد ، اتباع المذاهب الأربعة في الفقه ، و نصح المتابعون بعدم دخول السلفيين المعتدلين مضمارا لا قبل لهم به في الوقت الحالي ، متمنين عليهم بأن يظلوا خارجه ويتفرغوا بدلا من ذلك للعبادة وللدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والإصلاح ما استطاعوا وشعارهم في ذلك الآية الكريمة : ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت و إليه أنيب) اما مراهنة المؤسسين على دول بعينها بانها ستكون الداعم لهم ماديا ومعنويا ولوجستيا كما جاء في مقالة بهذا الشأن في " الخليج اون لاين " فغيركم كان اشطر بكثير ، ثم انشطر وتبخر من دون ان تقف الى جواره ذات الدول التي تراهنون على دعمها في هذه المرحلة ، واما اذا كان الحزب الواعد يراهن على الدعم العشائري فهذا داخل فيما اسلفنا بموقف الدول الداعمة ولايختلف عنه قيد انملة ،اما المراهنة على التمويل الذاتي فهو غير مجد اطلاقا كونه وقتي ومرحلي وضعيف لايرقى الى مستوى تمويل حزب يراد له المنافسة وبقوة امام احزاب مناظرة تمويلها بمليارات الدنانير وملايين الدولارات تأتيهم بلا توقف من الداخل والخارج فضلا عن استثماراتهم - الحلال والحرام - ، اذ سرعان ما سيتحول التمويل الذاتي للحزب الناشئ الى طلب معونة - ولا اقول جدية - ومطالبة برواتب ومخصصات وميزات بدلا من اعطاء وبذل وهبات ، وليس هذا بالأمر المستبعد اطلاقا ، بل هو شأن كل من ولج الى عالم السياسة قبلهم ودافعهم الأساس فيها انما يتمثل بالرغبة الملحة بالأمارة والأخذ وليس بالبذل والعطاء – ربما في بداية الأمر يكون البذل فقط من دون الأخذ حسبة – ولكن ومع مرور الوقت يبدأ النظر الى الجاه والثروة والمال والمنصب أولا وقبل اي شيء آخر على حساب اعتبارات أخرى ستظل مجرد حبر على ورق ومحض شعارات معلقة على الجدران ومرسومة على الحيطان لاتسمن ولاتغني من جوع وهنا تسكب العبرات على الدوام لتبدأ الأختبارات الحقيقية للأهداف والنوايا والأشخاص ولات حين مندم .
ويبقى الأمر موقوف على مدى جدوى المشروع و جدية القائمين عليه ومدى شفافية الأجندة ووضوح الرؤية والرسالة والأهداف ونضج الفكرة وصدق النية و فاعلية البرنامج المطروح وسعيه فعليا لحل مشاكل العراق عموما والعرب السنة على وجه الخصوص وتجاوز الطائفية ومدى قدرة القائمين عليه على تطبيقه واقعا ، اضافة الى - وهذا هو الأهم - من هي الأسماء التي ستطرح او التي ستقود المشروع وهل تشوبها شائبة ام لا ؟ فأن كان المشروع بخلاف ذلك كله فحينئذ سيصدق فيهم قول البغادة ( كمل الغركان غطة ) ؟ . اودعناكم اغاتي
|