النخبة الحاكمة ونفاق مواسم العبادة



ما أن اقبل موسم الحج, حتى تسابق الساسة للمشاركة بالحج لبيت الله, فقط كان عدد المشاركين من البرلمان المصون مائة برلماني, وكم كبير من الوزراء والوكلاء والمدراء وأصحاب المناصب الحساسة, وقبل هذا كنا نلحظ مشاركة  متميزة لكثير من الساسة, في المناسبات الدينية, مع اهتمامهم الشديد في أن يصل خبر عبادتهم الى ابعد نقطة, فهل هذا دليل تدين متأصل في داخلهم؟ هل من يحكمنا أناس يخافون الله ويسعون لرضا الله عنهم, أم أن القضية لها تفسير أخر؟

هذه الأفعال الصادرة من النخبة الحاكمة تدفعنا لهكذا تساؤلات, فالقاعدة العامة تقول أن العبادة تصدر من أناس يسعون لرضا الله.

يمكن هنا الإجابة عن هذا التساؤل بعدد من الأوجه:

الوجه الأول: رضا الله هو الدافع, أعمال العبادة هي في الأغلب تكون دوافعها تحقيق رضا الله, فيكون الإنسان في سلوك حياته يبحث دوما عن رضا الله عز وجل, ويعتبر نفسه مجرد عبد, وعليه تكليف ثقيل, ويسعى دوما لتحقيق العدل الذي يطلبه الله من الإنسان الصالح في الدنيا, وبما أنهم ساسة ومسؤولين فيدركون حجم مسؤوليتهم, هذا الفهم النابع من تدينهم.

وهذا الوجه لا ينطبق على "أصحاب العبادة" من النخبة الحاكمة, فالتقصير في أداء مسؤوليتهم كان الأبرز في مسيرتهم, وانصباب كل جهودهم لاستغلال مناصبهم للتكسب, على حساب الوطن والشعب, وكانوا هم سبب مصائب البلد, وقد فعلوا كل أنواع القبائح التي تدخلهم دائرة الخطيئة والذنب الكبير, ومن دون أي أحساس بالذنب, مما يمنع دخولهم في الباحثين عن تحقيق رضا الله, لذا لا يمكن أن ينطبق الوجه الأول على أي سياسي عراقي من دائرة المحاصصة.

الوجه الثاني: غسل الذنوب والتوبة:  بسبب ذنوبهم الجسيمة فهم قرروا أن يتوبوا الى الله, وان يصلحوا ما أفسدوه, لأنهم يدركون أن الله عز وجل بالمرصاد, لكل من يفسد أحوال المجتمع ويسرق أحلام الناس, واغلبهم متبحرين بالفقه والدين, ولا يغيب عنهم أن ذنبهم يكون اكبر, لأنه صادر بحق شعب بأكمله, وليس بحق شخص واحد, لذا سارعوا للفرار نحو ساحة الله سبحانه, ليعودوا بصفحة بيضاء خالية من أي درن, مع مسعى لان يحسنوا للشعب.

هذا الوجه أيضا بعيد, وليس له انطباق على الأرض, بسبب تمادي النخبة الحاكمة وأعضاء البرلمان في ذنوبهم, بل هي تتضاعف بعد كل موسم حج وعبادة, والدليل  أول عمل فعلوه بعد الحج هذا الموسم, هو تشريع قانون يغدق عليهم بالأموال بعنوان مخصصات, فلا ينطبق الوجه الثاني على أي احد منهم.

الوجه الثالث: النفاق: فالدافع للحج والعبادة العلنية, هو النفاق لكسب ود الناس وتحصيل رضا العامة وإزالة الصورة السيئة عنهم, وتحويل نظر العامة الى أن سبب الفساد هو شيء أخر وليس النخبة المتدينة, خصوصا أن المجتمع العراقي يميل للتدين, فيتأثر بهم الناس, فيلتزم الساسة بموسم الحج ومواكب التعزية بالمقابل يسرقون أموال الشعب من دون أي إحساس, وهذا من شيم أهل النفاق.

هذا الوجه ينطبق تماما على وزرائنا وبرلمانيينا وأحزاب المحاصصة والقادة الأفذاذ, لأنه العبادة دوما تصدر منهم بالمقابل السرقة والفساد وتضييع الحقوق أيضا مستمر, فأذن هي عبادة فارغة المحتوى, للضحك على الناس والقبض على كراسي القرار.

●المحصلة : أن مصيبة آهل العراق تأتي من ابتلائهم بطبقة سياسية منافقة, وهذا اخطر الإمراض التي تصيب كيان الأمم, وما حصل لنا من انتكاسات من قبيل انتشار الإرهاب والجريمة, فهو نابع من الطبقة المنافقة, وضعف المؤسسات الأمنية هو أيضا مرتبط بالطبقة المنافقة الحاكمة, وخواء الخزينة وضياع أموال النفط كله يعود الى الطبقة المنافقة, ولن تتغير الحال الا بزوال هذه الطبقة, لأنها لن تترك النفاق الى نهاية حياتها.