الفاسدون لا يخجلون...
 
الفساد بيئة للرذيلة والفاسدون لا يخجلون, للخجل احياناً قيم انسانية ووطنية, في بيئة النزاهة والكفاءة يستقيل الوزير اذا حدث خلل ما في وزارته والفريق يستقيل مدربه اذا خسر حتى ولو في (الفاينالة), رجل العطاء المعرفي وكلما اتسعت اختصاصاته لأستقبال المجهول من اسرار المعرفة وشعر انه لازال على هامش كنوزها يغمره خجل التواضع ازاء قصوره في الغور بمجاهيل الكون.
العالم ليس كرجل دين احادي المعتقد يجتر نصوصاً فقدت الأحتكاك مع العقل والصلة بالحياة كتمثال اثري تصدع وفقد ملامحه في دائرة المقدس المتخيل وعندما تضيق به رؤية الواقع المتحرك من خارجه يتحايل على عجزه الذاتي مكابراً حتى لا يفقد دوره ومعه وظيفته فيتقمص فعل الكارثة بحجمها المرعب فيصبح الخجل ازاء ما يشعوذ به لامبرر له ثم يفسر التكفير والألغاء ركناً من اركان العبادة ويجعل من بيوت الله متاريساً لمواجهة الحريات ومحميات للقمع والتجهيل.
استغرب العراقيون في بداية الأمر عندما عايشوا احزاب اسلامية اغلب رموزها اكملوا دراساتهم في الأزهر او حوزات قم والنجف يحملون شهادات عليا في الدكتوراه وفي اختصاصات اغلبها مضحك ويدعون انهم كانوا مجاهدين في الأهوار او معتقلين في قصر النهاية او محكوماً عليهم بالأعدام وهم في واقعهم الراهن نماذج فساد واختلاس ولصوصية غير مسبوقة, مثل تلك النماذج ما كانوا يوماً كما يدعون انهم شطار في القفز على ظهور الضحايا ومن زوروا واستحوذوا على سمعة الشهداء الحقيقيين والمضحك في الأمر ان بعضهم كانوا كتبة تقارير وفدائيين واعضاء فرق وعناضر مخابرات واستخبارات واصبحوا توابين واصحاب مشاريع ومكاتب تجارية او عصابات مليشياتية للخطف والأبتزاز يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
الفراغ لاينضح الخجل والمؤدلجين احادي التفكير والأيمان لايرون من الحقيقة الا نصفها المفترض, يشعرون بالهزيمة والأنكسار من داخل فراغهم فيحاولون عبثاً الأنتصار على خارجهم فوضعوا الدين والقيم السماوية في مأزق المواجهات الخاسرة مع حرية الأنسان وعجلة الأنجازات المعرفية, انهم ككائنات الصحراء مسكونة بالجوع والعطش, لهاث المواعظ وافتعال التقوى وحدهما دليلهم المنافق, الغائيون يفترسون العقول الشابة في ولائم الشعوذات الخادعة ويجعلون من الأفتراس قيم سماوية تخولهم افتراس السلطة والمال والنساء, ان لم تنفعهم مسكنات المواعظ يلجأون الى مخدرات الأفتاء لكبح تيارات الأصلاح والتغيير وقلب عجلة الأنجازات العلمية.
الأحزاب المتأسلمة فساداً وارهاباً لم تترك في ذاكرة العراقيين اثراً حسناً, في ابواب مقرات ومكاتب احزابهم يتهامس المارة تعليقات ازدراء جارحة تعبر عن عمق وسعة السخط الشعبي كونهم جعلوا من العراق مختبراً لجهنم عقائدهم وعقائدهم التي تتوارث من داخل عتمة سراديب التكلس والأنغلاق حتى تجاوزوا خطوط اهون الشرين مقارنة بحزب البعث.
قلناها وسنصرخها الآن صريحة, ان النظام البعثي البغيض في دكتاتوريته وشموليته وعنصريته وطائفيته وخياناته, رغم كل ذلك لم يجد فيه المشروع الأمريكي الذي استهدف العراق منذ انقلاب 08 / شباط / 1963 ما يؤهله لأنجاز جريمة التقسيم ثم التحاصص مثلما وجده في احزاب الأسلام السياسي (الشيعي السني) وجعل منهم انياب ومخالب اسلاموية لأفتراس احشاء العراق وافراغه من دولته وسيادته ثم اذابة مجتمعه في ثقافة الفساد والتحلل القيمي.
رغم ما جرى ويجري منذ انقلاب شباط الدموي, نعلم يقيناً وبحس عراقي, ان المشروع الوطني يستعيد الآن مرحلته ليأخذ مجراه تياراً وطنياً نهضوياً وسيكتب التاريخ في مذكراته تحت سطر نهاية النظام البعثي سطر وأد نظام الأسلام السياسي ويطوي اسوأ مرحلة لأسوأ نظام عرفه التاريخ العراقي الحديث وآخر النكبات في تاريخ المجتمع العراقي.