ثانياً؛ كما انَّ الاصلاح لا يعني المُخالفة فقط، فليس كلُّ مشروعٍ يتعارض مع العُرف أَو الواقع أَو الرّأي العام يعني بالضّرورة هُوَ إصلاحٌ، أَبداً، فقد يكون الغرَض مِنْهُ التّخالُف فقط على قاعدةِ [خالِف تُعرُف] بل قد يَكُون فسادٌ جديدٌ، خاصَّةً اذا تصدّى لهُ [مُصلِحٌ] معروفٌ عَنْهُ الفساد واشتهرَ بالفشل وتقلّب المزاج! وأكثر من ذَلِكَ عندما يتصوّر أَنّهُ يفعلُ خيراً. يَقُولُ القرآنُ الكريم يتحدّث عن مثلِ هذه النّماذج {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ} وقولهُ تعالى {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا* أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}. ولقد تجاوز الامام الحُسين (ع) في نهضتهِ المباركة كل هذا اللّغط والتّناقض والتصوّرات والاوهام عندما كتبَ في وصيّتهِ التي تركها في المدينةِ المنوّرةِ عند أخيهِ محمّد بن الحنفِيّة قبل ان يُغادرها في رحلة الشّهادةِ التي انتهت في عاشوراء عام ٦١ للهجرةِ، ذاكراً كلّ انواعِ [النّهضات] التي يظنّ النَّاسَ انّها نهضات حقيقيّة وقد شُبِّهَ لهم، كما هو الحال مع ما يفعلهُ [الاصلاحيّون] تحتَ قُبّة البرلمان بقولهِ عليه السّلام {إنّي لَم أخرُج أَشِراً ولا بَطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالِماً}. هذا يعني انّ هناكَ نوعٌ من [مشاريعِ الإصْلاحِ] هيَ شرٌّ وأُخرى هيَ بَطرٌ وثالثة هي فسادٌ بحدِّ ذاتها ورابعة هي ظلمٌ!. انّ كلّ ذَلِكَ يدفعُنا الى ان نكون على حذرٍ من [مشاريعِ الاصلاحِ] فليس كلٌّ شَيْءٍ [مُدَعْبَل] هو جَوزٌ! أبداً، فللاصلاحِ معاييرَ وللمُصلحِ معاييرَ! ولتكن ذكرى الطّف وعاشوراء المقياس الحقيقي الذي نعرض عليهِ ما نراهُ او نسمع عَنْهُ او نقرأ عَنْهُ من [مشاريعِ الاصلاح] لنتثبّت من حقيقتها وواقعها، كمشروعٍ وكمُصلحٍ!. ولو كانت الامّة واعيةً لواقعِ الاصلاحِ، متّخِذةً من نهضةِ عَاشُورَاءَ إِنموذجاً يُحتذى لما خدعَتها [مشاريعُ الاصلاحِ] لكلِّ من هبَّ ودبَّ مِمَّن ظلّوا يضحكونَ عليها بشعاراتِ اليسارِ تارةً وشعاراتِ القوميّةِ أُخرى، وأخيراً بشعاراتِ [الدّين المُزيّف] و [الطّائفيّة المقيتة] او بتقمُّص التّاريخ ورموزهُ [مُختارُ العصرِ ومَن لفَّ لفَّهُ] من هذه النّماذج الدّجالةِ التي وصفهم أَميرُ المؤمنين (ع) مرّةً بقولهِ {يَنْصُبُ حِبالَةَ الدّينِ لاصطِيادِ الدُّنيا} وهؤلاء هم بالمصطلحِ الحديثِ [تُجّار الدّين]. تخيّل كيف خدعَت [الوهابيَّة] النّاس فتصوَّروا أَنّها [حركةٌ إصلاحيَّةٌ] وهي التي تُعتبر من أشدِّ الحركات في التّاريخ فساداً وتدميراً سواء على صعيدِ العقيدةِ الفاسدةِ او على صعيدِ الادواتِ والوسائل! فهي اعتمدت مبدأ التّكفير واتّهام كلّ مَن يختلف معها بالشّرك والخروج من المِلّة، وبالتّالي أهدرت دمهُ واستباحت عِرضهُ ومالهُ وكلّ شَيْءٍ!. وبهذهِ [العقيدةِ الفاسدةِ] والادواتِ الفاسدةِ ارتكبوا على مدى ثلاثة قرون كلّ انواع الجرائم التي يندى لها جبينُ الانسانيّة! حتى أنتجوا لنا كلّ هذا الارهاب الدّولي الأعمى، وحاضنتهُ نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرةِ العربيّةِ! ثمّ لازالَ البعض يعتبرها حركةً إِصلاحيّةً!.
|