الوزير حسن الجنابي يهزم وردة النيل

التقيت بالدكتور حسن الجنابي مرة واحدة عندما كنا ضيفين على مائدة الغداء لدعوة الصديق الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد كبير مستشاري السيد رئيس الجمهورية ، وكنا الثلاث من المهتمين بالاهوار ، ولاول مرة أكون مع رجل اعرف انه يعي المكان بصورة روحية وعلمية ، وانتهى اللقاء لابقى متواصلا مع الدكتور الجنابي من خلال مواقع السوشيل ميديا ،

حتى اني استغربت أن يُبعد الدكتور الجنابي عن الضفاف التي يحلم ان يبقى قريبا منها ويرسل سفيرا للعراق في اليابان ، ولكني تفاجئت حين وجدت ان الاشهر القليلة للسفير الجنابي في طوكيو كان فيها اكثر سفراء العراق في اظهار الوجه الحضاري للعراق ، وربما هو السفير الوحيد الذي كان له تقرير يومي في صفحته على الفيس بوك يسجل فيها نشاطاته ولقاءاته بدءا من لقاءه بالامبراطور والى اصغر مواطن في جاليته العراقية في اليابان.

حسن الجنابي كما اعرفه ذاكرة متسعة الرؤى ، وربما اختصاصه وثقافته منحته هوس جميل بعالم المياه وخصوصا عالم الاهوار ، وأعتقد ان ترجمته لكتاب الرحالة والصحفي البريطاني كيفن كافن ( العودة الى الاهوار ) والصادر عن دار المدى هي من اجمل الهدايا الى منحت للذين يرون في الاهوار السر الذي يجب اكتشافه والتمتع بجماله.

حسن الجنابي الذي كانت متمتعا بعمله الجديد في بلاد زهرة اللوتس اليبانية كان يعتقد ان ظل الوردة التي كتبت الهايكو برقة قلب الشاعر الياباني لن يكون المكوث معها طويلا عندما تم ترشيحه كواحد من اهم وزراء التكنوقراط في التعديل الوزاري الاخير كوزير للزراعة وتم تغيير الاستئزار ليكون وزيرا للموارد المائية ، وأظن ان هذا هو المكان الحقيقي له كونه من المختصين القلائل بعالم المياه وخصوصا مياه الاهوار حيث استفدت كثيرا من رؤاه في لقائنا عندما كنت وقتها في مراحل الاعداد لاصدار كتابي الثامن عن الاهوار.

وحتى هو وزير لم يعلوا الكبرياء والانزواء حياة الرجل ، وظلت صفحته على الفيس بوك كصفحة لانشط وزير عراقي تتعامل مع العالم الاخر ، القارئ والصديق بشكل مرن وبدت روح التواصل للجنابي تحاور وتناشد وتقرا السياسة المائية للعراق بشكل علمي ومنهجي ومنها قيادته الرائعة للوفد العراقي الذي حاور وجاهد مع اليونسكو لاضافة اهوار العراق والمناطق الاثارية في اور والوركاء الى لائحة التراث العالمي في مؤتمرها الاممي الاخير في اسطنبول .

وقد نجح ، واظن ان النجاح يعود في فضله الى العقلية العلمية والمحاورة للدكتور الجنابي عندما كنت اعلم وبشكل اكيد ان بعض اعضاء الوفد قبل عام لايعرف اي شيء عن الاهوار، ولكنه اتى كرقم وضرورة فرضها منصب المحاصصة.

اول منجزات الوزير بعد استلامه منصبه هو انشاء المستوطنات الاستيطانية لسكان الاهوار واختيار الامكنة المثالية لهذا تحسبا للطوارئ المناخية والبيئية التي قد تلحق بهم الضرر وبحيواناتهم ومواردهم .

لكن الاخطر الذي تفاجيء به الوزير هو الانتشار المرعب لزهرة النيل في الاهوار العراقية ونهر دجلة وخصوصا قربا السدود المائية .

ومن اجل هذا الداء الصعب والذي يؤثر على مواردنا المائية ويفتك بالكائنات الحية في مياه الاهوار بدأ الوزير بأطلاق حمله وطنية للقضاء على زهرة النيل التي جلبت للعراق اول مرة كزهرة للزينة في ثمانيات القرن الماضي.

توالت نداءات الوزير ونصائحه بطرق القضاء عليها ، ولبت الكثير من الجهات الداعمة للنداء والمنظمات والهيئات والجهد الهندسي الوزرارة والمحافظات النداء وفي غضون اكثر من شهر تم القضاء على العشرات من الكليومترات المربعة من هذه الزهرة ، ورفعت وقلعت عشرات الاطنان منها ، ويمكن القول ان خطر زهرة النيل قد زال تماما او في طريقه للزوال.

الزهرة الجميلة لم تغر الوزير لتبقى لانه كان يعرف ان أذاها يتفوق كثيرا على جمالها فسارع وبجهد بسيط وغير مكلف لازالتها ، وربما لو ان وزيرا غيره لطالب بعشرات الملايين من الدولارات من اجل تلك الحملة.

بين الوزير وزهرة النيل حرب لم تشبه حرب طروادة والقرم والخليج .بل حرب ان انتهت بأنتصاره على الوردة ، ومعه سينتصر لمئات الاف من سكان الاهوار من المعدان ، وسيديم في حياتهم الرغبة ليبدأوا حياتهم الجديدة بعد ان شملتهم بركات اليونسكو ، واعطي لهم الحق ليبقوا ويعيشوا كما كانوا منذ ايام سومر والى اليوم