سمير نقاش.. نقش عراقي في الذّاكرة. .. بقلم/ نوميديا جرّوفي

 

 

 


من تأليف الكاتب و المبدع و الإعلامي "مازن لطيف"، و الصادر في دار النشر "ميزوبوتاميا"

 

"نقاش سمير" هو نقش عراقي في الذاكرة و "حالم رافديني كبير" هكذا كتب "مازن لطيف".

يمثّل الروائي العراقي "سمير نقاش" علامة فارقة و جدلية غنية، سواء على صعيد تاريخ المشهد الأدبي و تاريخ المثقفين في العالم، أو بنية المفارقات عربيا أو إثراء المميزات الخصوصية العراقية.

يمكن القول أن لسمير نقاش قيمة جدلية غنية لكونه بذاته شخصية إشكالية فهو يهودي العقيدة و عربي اللسان، عراقي التكوين و البنية  و العقل و القلب حتى النخاع. و هو قيمة جدلية بسيرته الفادحة الألم حيث تمّ طرده من فردوسه العراق بلا أيّ سبب إلى إسرائيل، لكن عناصره العربية و العراقية أبت الامتزاج و الذوبان في ذهنية العنصرية.

فواصل محاولة اللجوء إلى أية دولة عربية فلم يستطع، كان الرفض هو الباب الوحيد، بينما إسرائيل تقابله بعد كل رحلة هروب فاشلة بتهمة الخيانة.

سمير نقاش إشكالية فريدة بما قدمه من منجز إبداعي بقي يحافظ على النكهة العراقية لهجة و طرق تفكير و التدقيق في تفاصيل الأمكنة و طبيعة الحضارة العراقية و الدول المجاورة لها. 

أدبه امتداد لأساليب و فنون الكتابة العراقية و جزءا لا يتجزأ من تاريخ بغداد.

مجمل سيرته الذاتية جزء من حميمة الانتماء إلى الوطن الأم، مهد الولادةبالرغم من التهجير و المنفى. و الرحيل القسري إلى إسرائيل عكس على روحه حزمة من المناغصات الروحية و الألم و بالأخص بعد وفاة والده .

جذور أصله يهودية لكن انتمائه الروحي و الوطني عراقي أصيل.

صورته في سيرته الذاتية تتشكل في وحي الروح الموسوية و العبرانية ملحمة أسطورية، امتثلت في اشتياقها و هوايتها و ابداعها إلى الوطن الإبراهيمي و تراب بابل و لم تغادره و لم تتخلّ عنه حتى عندما سحبت منه هوية الإنتماء إلى ذلك الوطن العريق الذي ولد فيه.

ارتدى ثوب ثقافته و لغته و إصراره على الانتماء لمكان واحد.

عاش و مات و العراق في نبضه دوما.

 

من هو سمير نقاش؟

 

تنحدر عائلة سمير نقاش إلى عصر الخلافة العباسية، و هو العصر الذي شهد تدوين الثقافة و الإهتمام بمزاوجة الروافد المختلفة للفكر بين منابع الوافد و منابع الثقافة الموروثة. و كان جدّ سمير هو من قام بنقش منائر مسجد الكاظمين السبعة المعروفة. و هكذا انتقل اسم العائلة فنسي الناس الإسم الأصلي الذي هو "آل شعيد" و أصبح بيت "موشي النقاش".

ولد سمير نقاش في بغداد عام 1938، الوحيد بين ستة بنات لعائلة يهودية عراقية ثرية و عاش طفولته في حي البتاويين بين القصر الأبيض و ساحة النصر. التحق بمدرسة تابعة للطائفة اليهودية في بغداد في سن الرابعة و بدأ الكتابة في سن السادسة و انتقل منها إلى مدرسة مدنية تملكها و تديرها أستاذة لبنانية هي مدام عادل.

سنة 1951 و هو في عمر الثالثة عشرة عاما، هاجر مع عائلته إلى إسرائيل، و توفي والده سنة 1953 إثر نزيف في الدماغ خلال وجودهم في "المعبراه".

انتقل من 1958 إلى 1962 بين تركيا، إيران، لبنان، مصر، الهند            و المملكة المتحدة، و واجه صعوبات كثيرة اضطرته للعودة إلى إسرائيل حيث تولى وظائف مختلفة.

سنة 1970 التحق بالجامعة العبرية بالقدس، و حصل على درجة الباكالوريوس في الأدب العربي.

سنة 1950 كانت اللحظة المصيرية لسمير نقاش تحت ضغط "قانون إسقاط الجنسية" ، جسّدها في واحدة من أفضل رواياته " نزوة و خيط الشيطان" " إنّي يهودي لكني لست بخائن... كيف أخون أرضا ممتزجا بثراتها رفات آبائي و أجدادي؟"

عاش سمير نقاش حياة مضطربة و رغم ذلك خصصها لكتابة الرواية      و القصة و المسرحية، و كانت بغداد دوما حاضرة في أعمالة الكتابية.

توفي سمير نقاش في 07 يوليو 2004 عن عمر يناهز 66 عاما و في داخله ألم كبير بسبب تركه العراق حيث كان يعتبر نفسه مات عندما كان في الثالثة عشر من عمره يوم غادر مسقط رأسه الحبيبة، و يرى أن حياته الحقيقية تلك الأعوام الثلاثة عشر التي قضاها في العراق     و أنّ ما تلاها هو فقط مجرّد ظلال لتلك الأعوام.

 

 

 

 

أعماله

 

إخلاص سمير نقاش للغته العربية، و إصراره على الكتابة بها، جعلت منه أحد الدباء القلائل من يهود العرب الذي ظل يكتب و ينشر بالعربية من داخل إسرائيل، رغم الصعوبات البيروقراطية و قلة القراء و انقطاع التواصل مع العالم العربي.

من أهم أعماله:

 

الخطأ (قصص) 1971

حكاية كل زمان و مكان (قصص) 1978

أنا و هؤلاء و الفصام (قصص) 1978

الجنوح و الإنسياب (مسرحيات) 1979

يوم حبلت و أجهضت الدنيا (رواية) 1980

في غيابه (مسرحية) 1981

عندما تسقط أضواء المثلثات (قصة قصيرة طويلة)

نزوة و خيط الشيطان (رواية) 1986

الرجس (رواية) 1978

قوة يادم/ نوفيلا عراقية (رواية) 1987

المقرورون (مسرحية) 1990

نبوءات رجل مجنون في مدينة ملعونة (قصص)

عورة الملائكة (رواية) 1991

شلومو الكردي و أنا و الزمن (الرواية الأخيرة) 2004

منجز "سمير نقاش" بدأ سنة 1971 عندما نشر مجموعته القصصية الأولى تحي عنوان "الخطأ" و حتى آخر رواية له و هي الأهم و الأجمع لأساليبه "شلومو الكردي و أنا و الزمن" سنة 2004، فكان منجزه هو إثنتا عشرة كتابا بالإضافة إلى رسائله الكثيرة التي قاربت المائة، هذا  و كان يفكر بإصدار رواية الأجيال كعمل له يوثق فيه تاريخ عائلته بالكامل.

هكذا تلتقي عناصر التكوين الإبداعي و الإشكالي معا لديه، فهو أديب عربي عراقيّ الهوية يهودي الدين، مهتم بسرد تاريخ المنطقة            و تقاليدها، و لديه نكبة اسمها الوطن ، و بتعبيره هو:

" هل يمكن لأحد أن يخرج من جلده؟ أنا كإنسان، عراقي أصيل بكل جوارحي، أحمل بجنباتي تاريخا شديد القدم من العراقية، تكويني كلّه عراقي، لغتي، عاداتي، الطعام الذي أحبه، الموسيقى التي أفضلها، الأناس الذين أرتاح إليهم، كل ذلك عراقي بحت".

قالت زوجته فكتوريا و هي من اصل مصر: "كان عليه أن يتزوج عراقية، فأنا لا يمكنني التفاهم معه، لأنّ روحه و عقله يعيشان هناك في العراق"

 

"نقش عراقي في الذاكرة"

 

"سمير نقاش" هو نقش عراقي حقيقي في الذاكرة عاش مبدعا و فنانا و كاتبا باللغة العربية و اللهجة البغدادية العريقة التي كانت تسري في دمائه.

حلم بالعودة لفردوسه العراق التي كانت جنّته و مات بعيدا عنها         و مشتاق لوطنه الحبيب و العريق.

فارقت روحه جسده منذ غادر العراق و هو في سن الثالثة عشر..غادر بجسده فقط تاركا روحه هناك التي ظلت تئنّ مشتاقة لأصلها و وصلها.

 

ألف شكر للمبدع "مازن لطيف" لأنه جعلنا نعرف "سمير نقاش"