جلست على كرسي أديب نوبل

 

 منذ الصغر وأنا احلم بزيارة بلد حضارة وادي النيل (مصر المحروسة) كما يسميها أخوتنا المصريون الطيبون واعتقد من منا لم يراوده هذا الحلم ومصر دخلت في كل بيت من خلال الأعمال السينمائية والتلفزيونية كبرت وكبر حلمي معي وحالفني الحظ بزيارة أم الدنيا ولمدة 15 يوما سفرة سياحية إلى بلد الفراعنة والأهرام.

وبالرغم من قلة عدد أيام السفر التي لا تكفي لرؤية معالم وحضارة دولة عريقة وحسب نظام شركات السياحة والسفر وبالتعاون مع الجهات الرسمية السياحية في كلتا الدولتين العراق ومصر لكنني صممت أن ازور قدر الإمكان الأماكن التي قرأت عنها في قصص الأدباء والروائيين وشاهدتها في الأفلام الوثائقية والسينمائية والتقارير الإخبارية  وأولها مقهى الأديب العالمي نجيب محفوظ أول عربي يحصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1988.

أحسست بفرح وسعادة وانا أتمشى في أزقة والحارات التي لم تكن غريبة عني فانا رايتها قبلا في قصص وروايات محفوظ التي حولت إلى فيلم سينمائي جسد بطولته نجم الشاشة الأول عماد حمدي  والفنانة سميرة احمد كغيرها من روائع الروايات والقصص التي حولت إلى أفلام انعطفت يمينا مبهورة بالفولكلور المصري من فوانيس وتحف مختلفة الأحجام تجسد حضارتهم العريقة واللوحات الفرعونية المرسومة على ورق البردي إضافة للإكسسوارات والحلي المقلدة بما كانت ترتديه ملكات التاريخ وقتذاك.

ووقعت عيني على باب متوسط الحجم مصنوع من مادة خشبية ذات لون بني تتوسطها زخرفة ذهبية نحاسية ومقبض نحاسي جمعت بين التراث والحداثة وعلى الجانب الأيسر منها سارية علم جمهورية مصر وفانوس نحاسي ذهبي كبير والذي يمثل أحدى بصمات التراث المصري وخصوصا خان الخليلي وعلي يسارها نُصبت لوحة ذهبية متوسطة الأبعاد دون عليها (خان الخليلي  مقهى نجيب محفوظ) بالخط العريض وتحته كتب أوقات فتح وغلق المقهى باللغتين العربية والانكليزية تعلوها لوحه تراثية قديمة للخان.

دخلت المقهى المكون من قسمين: الأول مخصص لتناول المشروبات الساخنة والباردة والنركيلة وأحلى ما فيه هو المكان و الكرسي الخاص بالأديب العالمي محفوظ فاستأذنت صاحب المقهى بالجلوس على كرسيه الذي يتوسط المقهى وتعلوه صور محفوظ التي رسم بعضها بزيت صور فوتوغرافية وعلى جانبيها صور العاملين معه تزين جدرانه. لا أستطيع وصف شعوري وأنا اجلس على مقعده يجول في خاطري كتاباته  وتتراءى أمام عيني شخصيات رواياته هنا كتب عن ميرامار أم عن بائعة الخبر أم ثلاثيته الشهيرة (بين القصرين – السكرية – قصر الشوق) أم اللص والكلاب والقاهرة 30 وثرثرة فوق النيل و رواية “أولاد حارتنا” التي تعد واحدى أبرز الروايات التي ألفها نجيب محفوظ والتي أثارت ردود أفعال واسعة في مصر وخارجها وانتهت إلى قرار حجبها عن النشر في مصر لمدة طويلة بسبب التفسيرات الدينية التي التصقت ببعض الشخصيات الواردة في هذه الرواية مثل شخصيات الجبلاوي جبل رفاعة قاسم وعرفة.

وعندما بدأ نجيب محفوظ في نشر هذه الروايات في جريدة الأهرام عام 1959 قبل أن يصدر قرار بوقف نشرها في الأهرام وفي عموم مصر وصل الأمر إلى محاولة اغتياله من قبل أحد الشباب المتطرف فكريا والمنتمي إلى إحدى الجماعات المتطرفة وأقدم على هذا الفعل على الرغم من أنه لم يقرأ حرفا من أعمال نجيب محفوظ. وعلى الرغم من أن هذا الشاب لم ينجح في مسعاه باغتيال نجيب محفوظ إلا أنه رغم ذلك تسبب في إصابة يده مما أعاقه عن الكتابة فيما بعد بيديه واضطر إلى أن يملي ما يود كتابته على الآخرين كي يكتبوه نيابة عنه.

أما القسم الثاني من المقهى خصص لتناول وجبات الطعام المختلفة وخاصة الأكلات الشعبية المشهورة في مصر منها الكشري الذي يقدم بطريقة جميلة جدا والكوارع والحمام المحشي الذي تذوقته لكي أعيش الأجواء بكل تفاصيلها وعلى أنغام كوكب الشرق أم كلثوم .

الأديب العالمي نجيب محفوظ هو ابن حي الجمالية حيث ولد في 11 ديســـــــمبر 1911 لأب يعمل موظفا وحصل على ليسانس في الفلسفة عام 1930  ثم عمل في الوظــــائف الحكومية مثل الأوقاف والثقافة والإذاعة والتليفزيون وغيرها ولظــــروفه الصحية لم يتمكن من تسلم جائــــــــزة نوبل بنفسه فتسلمتها نيابة عنه كريمته قبل أن توافيه المنية في الثلاثين من آب/أغسطس عام 2006  جراء مشاكل في الرئة والكليتين.

وأخيرا شربت كثيرا من مياه نيلها طبقا للقول المصري المأثور لكل من يزور مصر المحروسة (اليشرب من نيلك لازم يجيلك ) لروعة البلد وجماله والسائح حتما سيزورها مرة أخرى.