الفحم البشري |
من فاجعة الى فاجعة اخرى. من مجمع الكرادة التجاري الى ردهة الاطفال الخدّج في مستشفى اليرموك. الحالة واحدة. الاجساد البشرية تصبح فحماً, نعم فحم اسود صالح للاشتعال مرة اخرى. هكذا يريد الاشرار ممن تحولت قلوبهم الى حصى اسود لا ينبض بالحياة.الارهابيون ليس هم فقط من يفجرون المباني ويضعون المواد الحارقة والمتفجرة، لكي تنفجر على عباد الله الصالحين الذين يحبون الحياة ويمعنون في حبهم لها، بل هم ايضاً اولئك المتقاعسون عن تأمين متطلبات السلامة في اي مكان كان، بل وهم ايضاً يديرون مؤسسات كبرى ذات خدمات اجتماعية بدون تحمل اي قدر من المسؤولية تجاه مواطنيهم. ترى ما ذنب ام فقدت ابنها او ابنتها في حريق فتحولت الى كتلة من الفحم بعد تسعة اشهر من الحمل بانتظار صرخة الوليد وفرحة الروح. ما ذنب اب تكبد كل عناء الانتظار لكي يرى وليده وهو يفكر ماذا سيطلق عليه من اسم والى اية روضة سيذهب به ومن ثم الى اية مدرسة سيسجله فيها، وهو يمني نفسه بأن يسميه اهله واصدقاؤه بأبي فلان، فاذا به يصبح اباً لكومة من الفحم الاسود.من حرائق الكرادة حيث تفحم الشباب حرقاً ولم يستطع احد التعرف على المئات منهم، الى حريق اليرموك حيث تفحم الاطفال الرضع في حاضنات الخدج نتيجة الاهمال والابتعاد عن الاحساس بالمسؤولية.ليست الطفولة حكراً على الاباء والامهات، بل هي ايضاً رمز من رموز الحياة السليمة بكل قطرتها، عذوبتها، ولقد امعن الشعراء في وصف الطفولة وعنفوانها ورقتها وجماليتها منذ ان يكون الانسان رضيعاً حتى يحبو ويدرج ويلثغ بالحروف ويضحك لكل من يضاحكه وحتى يتمكن من ان يصبح صبياً شاباً يافعاً في امتداد زمني يعرفه بنو آدم منذ الخليقة حتى الان.لدينا على مواقدنا فحم كثير نشوي عليه لحوم الدجاج والنعاج. فلماذا تشوون قلوبنا على هذه المواقد. لماذا تعذبوننا، عذبكم الله في دنياكم قبل اخرتكم. لماذا تمرغون اطفالنا وشبابنا في هذه المواقد البشرية ايها المارقون عن الحق والفضيلة والسائرون في ركاب الجريمة والحقد.ستتوقف الامهات عن الانجاب لكي لا يبتلين كما ابتليت به نساؤنا وبناتنا واخواتنا وفي مستشفى اليرموك، وهن يتفحمن رويداً رويداً مع اطفالهن الملائكة.هل اختم بدعاء الصبر والسلوان. هل هذا يكفي؟ هل يكفي ان نقول انا لله وانا اليه راجعون. نعم راجعون الى الله كما يرجع الجميع، وليس كتلاً فحمية احرقتها النيران. |