مرشحان أفضلهما سيئ!

خرجت مرشحة الرئاسة الاميركية هيلاري كلنتون متفوقة على منافسها دونالد ترامب الذي ظل في موقف الدفاع أمامها، في أول مناظرة تلفزيونية مباشرة على الهواء، في السباق نحو البيت الابيض. ملايين الاميركيين ومثلهم من باقي أنحاء العالم تابعوا تلك المناظرة. كثير من الاميركيين المترددين يتابعون بهدف تحديد موقفهم في التصويت، فيما يتابع غير الاميركيين ليستشرفوا هوية الرئيس الاميركي القادم، وسياسته الخارجية التي ستنعكس على بلدانهم، فالنفوذ الاميركي المباشر وغير المباشر في انحاء العالم جعل شؤونها الداخلية تتعدى حدودها لتصل الى أبعد نقاط العالم.
هناك من يقول ان أميركا دولة مؤسسات، وان تغيّر الرؤساء لن يغير من السياسة الخارجية. هذا الكلام غير دقيق، ومثالنا سياسة البيت الابيض الخارجية في عهد أوباما، التي اتسمت بالانكفاء وعدم التورط العسكري المباشر، دون أن يعني ذلك عدم ممارسة النفوذ أو التأثير في أحداث جرت في انحاء العالم. صقور الجمهوريين يلومون أوباما ويتهمونه بأن سياسته الخارجية أضعفت هيبة أميركا أمام العالم، ويشكلون عليه انه لم يتدخل عسكريا ويطيح بنظام الاسد، ويعارضون الاتفاق النووي مع ايران، ويتوعدون بأن يصلوا الى البيت الابيض، من خلال كلنتون ويحققوا كل هذا. السياسة الخارجية الاميركية لا تتغيّر وفق شخص الرئيس بذاته فقط، فهو يطبق سياسة حزبه وتوجهاته على الصعيد الخارجي، لكنه يضيف اليها بصماته الشخصية التي يمارسها من خلال الصلاحيات التي يمنحها له الدستور. هكذا تصبح السياسة الخارجية نتاج سياسة حزب الرئيس وقناعاته الشخصية.
وفي الانتخابات الحالية، نحن أمام مرشحة ديمقراطية ومنافس جمهوري، بل نحن، كل العالم، أمام مرشحة ديمقراطية بالاسم، لكنها تصنف في خانة يمين الوسط القريب من المحافظين. بل أن في هيئة مستشاريها، من هم محسوبون على اليمين والجمهوريين، كما أعلن عدد من صقور المحافظين الجدد، مثل روبرت كيغن، وبول وولفوتز، تأييدهم لها ضد ترامب الذي يفترض أن يكون مرشح المحافظين لكنه في الواقع يحرج هذا الحزب لشدة تفاهته وجهله ونزقه، بل وحتى سلوكه الاخلاقي
والقانوني. لو استمر تفوق هيلاري كلنتون على منافسها ترامب في المناظرتين الثانية والثالثة، واستمر معه دعم الجمهوريين ومعهم مصانع السلاح وشركات النفط والبنوك الكبيرة لها، فان النتيجة ستبدو محسومة مسبقا لكلنتون، وعندها سنشهد عودة مسلحة لاميركا الى المنطقة، وستعود السخونة الى خط واشنطن - سوريا، وواشنطن - طهران، التي سيكون اتفاقها النووي في معرض الخطر الاميركي.في العراق سنعاني جراء عودة السخونة الى الساحات المحيطة بنا، خصوصاً وأن كلنتون تؤكد ضرورة دعم حلفاء واشنطن في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية التي تموّل كلنتون بملايين الدولارات منذ سنوات بحجة دعم مؤسسة زوجها الخيرية. في المقابل لن يقف المحور الآخر المتمثل بروسيا وسوريا وايران وحزب الله صامتاً بل سيتحرك لاستخدام كل أوراق القوة ضد المحور الآخر. وفي العراق، حيث هو أحد أهم ساحات صراع المحورين بالنيابة، تنتظرنا مرحلة صعبة خصوصا اذا دققنا في طبيعة المتغيرات السياسية العراقية الداخلية وحركة اعادة صياغة تحالفات وفرز محاور هي في حقيقتها امتداد او «انسجام» مع المحورين الخارجيين المتصارعين.
بالنسبة لنا، كلاهما سيكون سيئاً، كلنتون المدعومة من مصانع السلاح وشركات النفط وصقور المحافظين، ومنافسها المجنون الضحل المثير للسخرية والهواجس في آن واحد.