فلسفة ليالي عاشوراء في النهضة الحسينية |
ايام عاشوراء وتعني الايام العشر الاوائل من شهر محرم الحرام والذي يرتبط بعدة احداث مهمة في تأريخ الاسلام واهمها اليوم العاشر والمسمى بعاشوراء من شهر محرم الحرام والذي سفكت فيه الدماء الطاهرة على ايادي جيش الكفر والضلال جيش معاوية السفياني، و هو اليوم الذي وقعت فيه واقعة الطَّف الأليمة التي قُتل فيها سبط النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله وسلم ) الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) ، خامس أصحاب الكساء و ثالث أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) مع جمع من أبنائه و أصحابه الكرام البررة بأرض كربلاء
واحياءا لهذه الواقعة والفاجعة العظيمة في التاريخ الاسلامي وتخليدا لذكرى الشهداء العظماء وتقيبما لمواقفهم المشرفة في الوقوف ضد جيش الكفر والظلم .والطغيان
و لوجو اسباب كثيرة ترتبط معظمها بالعقيدة الاسلامية السامية ومنها ما تتعلق بالعواطف والأحاسيس الدينية والإنسانية، وبهذا يتفاعل المجتمع بكل أطيافه وطبقاته مع القضية والشعائر الحسينية في كل عام وفي كل زمان ومكان، فكل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء . شعار يلهم الانسان ان يكون على قدرا عاليا من المسؤولية الاخلاقية والشرعية في مقارعة الظلم في كل اوجهه واشكاله في كل صوره المتعددة وفي كل زمان ومكان وسيرا على منهج دروس التضحية والفداء
كما ان إدراك الامة ووعيها بحقيقة قضية نهضة الامام الحسين وشهادته إنما يتم من خلال رؤية معرفية باعتبارها قد حققت العلاقة بين العقيدة وحركة التاريخ حد الشهادة في ارض كربلاء، مما يعني ان شهادته قد أوجدت معنى لصيرورة تاريخية تتمسك بها الامة في مشروعها المستقبلي. وان هنالك كانت ضرورة تاريخية ترتبط باقامة احياء تلك الذكرى وتخليد الثورة للوصول بقيمها ومبادئها واهدافها الى اعلى الغايات والمراتب الانسانية
إن يوم عاشوراء من أكبر أيام الله العظمى، فيه آيات لكل صبّار شكور، وقد إمتاز بخصائص عديدة مرتبطة باسرار الخلود والوجود فكانت عاشوراء بمنزلة المركز لدائرة الوجود، والقطب لعالم الإمكان ونقطة البدء للانسان في عالمي التكوين والتشريع. والتقويم والتفريق بين الحق والباطل فيه انجى الله سبحانه النبي موسى عليه السلام من فرعون وجيشه وفرقهم الله في البحر وفيه انجى الله تعالى النبي نوح عليه السلام وقومه في السفينة حسب اراء اكثرية المؤرخين
أن يوم عاشوراء اقترن بالكثير من الاحداث المهمة في التاريخ ويعتبرالحلقة الواصلة بين ماضي الأنبياء ومستقبل الأولياء، بين النبوة والإمامة لتحقيق الاطروحة السماوية الإلهية من بسط العدل وحكومته في الأرض جميعاً في مشارقها ومغاربها، فإن الله بعث الأنبياء والرسل وأنزل معهم الكتاب والميزان والحديد ليقوم الناس بالقسط إلّا أن ذلك لم يتحقق إلّا في آخر الزمان بظهورالامام القائم بالحق بأمر الله سبحانه وتعالى فيقوم وشعاره (العدل والتفريق بين الحق والباطل ) بثورته الكبرى ضد الظالمين ليملئ الارض عدلا وقسطا بعد ان امتلئت ظلما وفجورا فكانت قصة الطف ويوم عاشوراء الحلقة الواصلة بين الماضي والمستقبل في كل يوم، فكل يوم عاشوراء لإحياء العدل الإلهي في الأرض. وهي الامتداد الحقيقي لثورة ورسالة العدل الالهية في ارساء القيم والمفاهيم الالهية
يوم عاشوراء يوم البيان والتبيان والفرقان بين الكفر والنفاق والإيمان، بين الرذائل المتمثلة بالمعسكر اليزيدي...
... والفضائل المتمثلة بالمعسكر الحسيني ما بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين النور والظلام ففي كل عام نقوم بإحياء عاشوراء ليتميز الخبيث من الطيب والمنافق من المؤمن، فكانت عاشوراء هي المیزان في كل زمان ومكان.
إنّ يوم عاشوراء وقيام سيد الشهداء× فيه إحياء لرسالات السّماء وبقاء الإسلام الحنيف فإن الإسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء (حسين مني وأنا من حسين) وإن كان دين محمد لم يستقم إلّا بقتلي فيا سيوف خذيني .
كما امر الله تعالى باحياء الشعائر في قوله تعالى . ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب) في ذكرها العمل الصالح والتقرب من الله تعالى ونبيه الكريم واهل بيته الاطهار
و لقد أمر أئمتنا الأطهار بإحياء أمرهم (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا) ومن اتم مصاديق الإحياء إحياء يوم عاشوراء.
كما- قال رسول الله‘: (إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً) والحرارة لابدّ لها من مصدر ووقود وإحياء عاشوراء في كل عام وقود الحرارة الحسينية الأبدية، وهناك يد غيبية تزيد في لهيب الحرارة في كل عام في قلوب المؤمنين والمؤمنات شيعة أهل البيت والموالين والمحبين.
وان إحياء يوم عاشوراء تلبية لنداء سيد الشهداء (هل من ناصر ينصرني) فإقامة المأتم والعزاء في كل عام وفي كل مكان نصرةً لسيد الشهداء ونصرة للدين المحمدي الأصيل.
إنّ لله ليلة القدر الفريدة والوتر التي هي خير من ألف شهر وله نهار ويوم وتر وهو يوم عاشوراء (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله) فكان يوم عاشوراء وتراً في أهدافه المقدسة وفي تداعياته ومعطياته ومبادئه القيمة ومقاصده المقدسية، فإنه تتجلى في يوم عاشوراء أسماء الله الحُسنى وصفاته العليا، وفي ليلة القدر كان نزول القرآن الصامت وفي يوم عاشوراء صعود القرآن الناطق.
إنّ يوم عاشوراء وإن كان حدث تاريخي إلّا أنه بجهود الأئمة الأطهار تحوّل إلى واقع حياتي في كل زمان ومكان، فإن الحدث التاريخي قابل للتشكيك والتشويه والتلاعب والإنكار ولكن الواقع الحياتي كوجود الشمس كل يوم غير قابل لذلك كما أنه قابل لتأمل والتفكر وأخذ العبَر والدروس من الواقع الملموس الحياتي فكان عطاء عاشوراء الحيّ في وجدان الشعوب والجماهير عطاءً غير محدود.
في حركة الاصلاح التي نهض بها الامام عليه السلام بناءا على ارشادات وحي الهي كما في قوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بامرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات ) ليكون تحرك كل أمام في عصره أمرا الهيا يتناسب وإشكاليات العصر وحاجيات المجتمع في استنهاض الوعي الثوري
وقد تركزت مفهوم الذكرى بالنهضة في مفهومها الاسلامي كقضية فكرية وتاريخية وكرؤية فلسفية تختلف في بعض مفاصلها عن مفهوم الثورة الخالدة وطرق وعادات احياء ذكراها، فبينما تدعو الاولى (النهضة) الى تحريك الوعي الجمعي من خلال موقف تسلسلي يقود الى حتمية الخلاص من الظلم والقهر والسعي لبناء مجتمع يحقق الفلسفة التي ارادها الخالق تعالى شأنه في مسألة (الجعل إلهي) كما في قوله تعالى: " أني جاعل في الارض خليفة ". التي تكشف عن ان مفهوم الخلافة الحقيقية إنما هي نص إلهي يقع في دائرة الوحي مما يعني انه ليس من إختصاصات المخلوق، وهي بالتالي تطرح مفهوما مستقبليا يتجاوز الاني الى الآتي، نجد في المقابل ان القضية الثانية (الثورة) تحمل رؤى آنية في الاغلب، وهي قد تكون نتاجا لمفهوم النهضة وربما شكلا من أشكال تاثيراتها كمثل كل تلك الانتفاضات والثورات الاسلامية وغير الاسلامية التي تأثرت بالنهضة الحسينية وبفكرة شهادة الامام الحسين عليه السلام على مسار حركة التاريخ.
إن حالة التغيير التي تطرحها النهضة تستدعي قيام عدد من التحولات التاريخية والاجتماعية والانسانية من أجل التقدم باتجاه المستقبل، مما يحقق قضية الخروج التي دعى اليها الله (من الظلمات الى النور) من مفهوم عقائدي يكون نتاجا لقضية (الخلافة الالهية). اما قضية ثورة الامام الحسين كانت تشتمل عل عناصر ومقومات النهضة ودمجها بالثورة لما كانت لها من اثرا بالغ في نفوس المسلمين تطلبت منهم اعتماد عوامل التضحية والفداء
وحيث تكتسب النهضة الحسينية قيمتها باعتبارها فعلا حضاريا يركز على استعادة القيم السماوية في قبال الانحراف الكبير الذي قادته ما تسمى جزافا الدولة الاموية . فالدولة بالاصل ظاهرة حضارية وهي ايضا حاجة اجتماعية ايدها الوحي وجعلها بالاطر الالهية من خلال خلافة الانسان على الارض، ولهذا لا يمكن أن تقع معايير الدولة في المفهوم الاسلامي خارج الاطار الشرعي، باعتبار ان الاسلام أمة وهو يدعو الى تحقيق (دولة الامة) باعتبار انها تمثل واقعية الفكر الاسلامي كمنهج متطور، وهذا يعكس التباين بين فكرتي (واقعية المعقول و معقولية الواقع) فالموقف الاسلامي من الواقع ينطلق من خلال قيم عليا تتمثل بوعي مؤمني الامة بالعقيدة الالهية وتشبثهم بالمثل العليا في تطبيق الشريعة على الارض،
إنّ إحياء عاشوراء إحياء لظهور دولة الإمام المهدي العالمية والإصلاحية وأنه عند ظهوره ينادي يالثارات الحسين طلبا بالثأر من كل مجرم عتيد على الارض
ان التمسك بكل هذه المفاهيم والشعارات واجراء الطقوس الدينية التي تحمل في طياتها تخليدا للذكرى وتنديدا بالظالمين وولاءا للحسين وال البيت الطاهرين .بكل عاطفة وبكل بعد اخلاقي وانساني عبر سلسلة زمنية طويلة ومتماسكة ومتجددة تحمل عنصر التجديد والتخليد لال البيت الاطهار وما تركوه من اثرا عميقا في الاسلام حاضرا لدى نفوس المسلمين بكل تراثهم وموروثهم الاسلامي والتاريخي في العقائد والدروس والعبر
كما انها تعتبر منارا وطريقا لكل الشعوب المقهورة والتي اتخذت اكثر الحركات التحررية العالمية من شخصية الامام الحسين وتلك الذكرى الخالدة انطلاقة ثورية لحركاتهم التحررية لما كانت تحمله من دروس ومفاهيم وعبر خالدة
ان ثورة الامام الحسين (ع) مدرسة للدروس في التضحيات فعاشوراء كنز لإنفاذ له ولا انتهاء له بل امتداد روحي واخلاقي رسم معالم الحياة اللاحقة وميز بين الحق والباطل وبين الظالم والمظلوم. واسس لامتداد دولة الحق الالهية وحافظ عليها من الانطمار والانحسار والركود
فهي ثورة اثمرت وعيا حيا في نفوس الاجيال المتعاقبة، تشدها الى معنى الكرامة الانسانية وجمال التحرر، وهي تمثل نهضة في ضوء المشروع الاصلاحي الكبير الذي قاده نبي الامة وامير المؤمنين وهو يتحرك باتجاه الكوفة: «اني لم اخرج اشرا ولا بطرا.. وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، آمر بالمعروف وانهى عن المنكر».
انها ثورة هيمنت على الوجدان المسلم، فصنعت كل التحولات التي شهدتها القرون اللاحقة، فهي نهضة حية لا تموت من خلال القيم التي كانت تنطلق من داخل الميدان وترسم للامة نهجا في التحرر وعدم القبول بالذل، فكل كلمة نطق بها سيد الشهداء، عبرت عن منتهى ما يطلبه الاحرار.
فالحسين (ع) فدى بكل وجوده وما يملك في سبيل حفظ الاسلام وحريمة وكرامة البشر جميعا بدون تفرقة بين دين او عرق او جنس تنفيذا للآية الكريمة {ولقد كرمنا بني آدم} والتكريم الالهي للانسان الوارد في الآية هو تكريم بالمطلق سواء كان الانسان مؤمنا بالله او كافرا به، سواء كان مسلما لله او جاحدا له، وبالتالي فان التكريم ليس وقفا على فئة دون اخرى من الناس، فالكرامة الانسانية المستمدة من ارادة الله وفضله كرامة تشمل الناس جميعهم ايا يكن جنسهم او لونهم او لغتهم وبصرف النظر عن معتقداتهم، فالله ليس رب اليهود وحدهم، او رب النصارى وحدهم او رب المسلمين وحدهم انه رب العالمين بلا استثناء.
لظالم .
ان الضمير الإنساني تجاه هذه الذكرى الخالدة دون واستنبط قضية استشهاد الإمام الحسين وأصحابه الميامين للتاريخ حفظا للوجدان الخالد على امتداد العصور معلنا عن كون المشروعية ليست رهينة للأكثرية لان قرار انتصار الدم على السيف فانه يسقي دم الشهيد ألأرض الطاهرة وان والانسانيه تقف أمام الضريح الحسيني لتستمد من الأحداث وأبعاد الوقائع المتمثلة في رمزية واقعة ألطف وشعائر ذكرى كربلاء مضامين حدث التضحية لما من مدلولات مظلومية الإمام الحسين من معنى في مفهوم الثورة كإرث تاريخي لكل البشرية بعطائه الفكري المتجدد كدافع ومحرك لاستنهاض الروح النضالية لدى المظلومين والمستضعفين في فضاء لا حدود زمانية أو مكانية في مساحتها فلقد سطرت صفحات التاريخ أحداثا مستمدة من ثورة الإمام الحسين على المدى البعيد والقريب كخزين فكري حسيني المنهج وترجم مفهوم العدالة المبنية على نصوص القران الكريم . وان ترجمة استشهاد الأمام الحسين بحق فإنها إرادة ربانيه محتضنا بأرض ألطف كمسرح المأساة وسرى الحدث حيث رفرفت أرواح الشهداء من أرض كربلاء إلى عنان السماء |