نساء عاصرنَ الأئمة ويعشنَ أبدا! أم كلثوم أشد المسائل إختلافاً....
 تعد ذاكرة كربلاء الجرح الأكثر بقاءً على مر العصور وكر الدهور، لأن جميع مَنْ قاتل مع الحسين (عليه السلام) حققوا النصر بدمائهم، وسعوا للشهادة فرحين مستبشرين ببيعهم، وقد برز دور كبير للنساء كما الرجال بواقعة الطف، فمسيرة السبايا ملحمة، سُجِل فيها الألم الكربلائي ممزوجاً، بإنتصار معسكر الحق العلوي على صعاليك الفسق الأموي، وكانت صرخات بنات هاشم مدوية، أرعبت مجلس يزيد وأذنابه، فهذه أم كلثوم تهتف: ويلكم أي دماء سفكتموها، وأي كريمة أصبتموها، وأي صبية سلبتموها؟
  ما يروج له المنافقون، بشأن الجانب الحضوري لبنات أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، هو أشبه بالخرافة حين تعني الإعتقاد، الذي يفتقد الى أساس علمي ومنطقي يتقبله العقل، وهذه الأخبار الملفقة هدفها الإستخفاف بالجنبة المعنوية، للشخصية الثائرة المناهضة للإستبداد، وإزالة الروح المطالبة بالجهاد ضد الطغيان للإنحراف بالأمة، والإقبال على الإسلام بأسلوب خاطئ، وهذا هو ديدن بني أمية، للنيل من بنات علي(عليهن السلام)، والسبب أن قضية كربلاء على أيديهن زادت علواً وإرتفاعاً، وإنخفضت راية الباطل ذلاً وإنتكاساً.
أشد المسائل إختلافاً بين المؤرخين، وخاصة ممَنْ إمتلأ قلبه بدنانير الطاغية يزيد، أن يشيع أراجيف حول السيدة الفاضلة زينب الصغرى، التي تكنى بأم كلثوم، وُلِدت في السنة السابعة للهجرة، كما أن إسمها ورد ذكره بكتاب اللهوف في قتلى الطفوف، للمحدث الثقة إبن طاووس حين قال:(ولدت لعلي أمير المؤمنين، في السنوات الأخيرة من عمر النبي، وكانت إمرأة جليلة، وفصيحة، ومتكلمة، وعالمة)، وقد شاركت أختها زينب الكبرى في جميع مصائب كربلاء، وهي التالية لشقيقتها فضلاً وسناً وبلاغة.
الأدلة التأريخية لحضور السيدة أم كلثوم في كربلاء، حين نظر الإمام الحسين(عليه السلام)الى أثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى، إلتفت الى المخيم نادى:(يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا أم كلثوم، عليكن مني السلام)كما أن المشهور لوفاتها أنها فارقت الحياة بعد واقعة الطف، بأربعة أشهر من رجوعها مع السبايا، وهي تقول: أي دواهٍ دهتكم؟ وأي وزرٍ حملتم فوق ظهوركم؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي، فنُزِعت الرحمة من قلوبكم، ألا إن حزب الله هم الغالبون).
دليل ثان يبرز في واقعة الطف عن وجودها (عليها السلام)، أنها متزوجة من إبن عمها، محمد بن عقيل بن أبي طالب، الذي إستشهد مع إخوته، فمن الطبيعي أن تشارك الهاشميات محنة زوجها من آل عقيل، ومصائب البيت الحسيني، لأنها نمت برعاية أخويها، السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام)، فمَنْ تأدب بآداب علي بن أبي طالب، لا يسعه إلا أن يكون في مقدمة القرابين الطاهرة، لبذل المهج دون الحسين (عليه السلام) فهي قضية ثأر الله وإبن ثأره.
إصرار الحسين(عليه السلام)مرافقة النساء له، في مسيرة الإيثار لكربلاء، لم تكن غرضاً دعائياً لخروجه، بل كان لها أبعاد خطيرة وكبيرة، أدرك الإمام زين العابدين (عليه السلام)نتائجها،عندما تولينَ حمايته من أزلام الطاغية، لأنه كان مريضاً فقمنَ بالحفاظ على حياته الشريفة، وليكنَ لسان حال يفضح مدى وحشية الجرائم التي إرتكبت بحق العترة الطاهرة، وليثبتن أن النساء لا يقل دورهن أهمية عن الرجال، فالدور الإعلامي الذي لعبنه كان عظيماً، أثّر على مسيرة أمة بأكملها والسيدة أم كلثوم إحداهنَّ.