حكاياتٌ .. لم ترو كما ينبغي ( ١ ) ( الحر الرياحي و عمر بن سعد )

 

انها لحظة واحدة تلك التي احدثت المفارقة التاريخية الكبرى بينهما و جعلت منهما شخصين مختلفين مدى العصور المتأبدة .
انها اللحظة التي خطب فيها الحسين ع في جموع المستعدين لقتاله مذكراً اياهم بنسبه و حسبه و شخصه ثم عطف حديثه الى عمر بن سعد بن ابي وقّاص و الذي كان كارهاً للقائه و الحديث معه . التفت الحسين ع الى عمر و لا أشك انه استحضر أمامه كل مقومات الصراع .. استحضر تاريخ ابيه و قرابته للحسين وخوفه من سيف ابن زياد و طمعه في ملك الري و بقي هذا الصراع يجول في مخيلته الى اخر لحظة و هو يخفي دموعه لحظة مقتل الحسين ع

في الزاوية الاخرى وقف الحر بن يزيد الرياحي قائد طلائع الأمويين الذي جعجع بالحسين ع و منعه مِن المسير و بنفس الدرجة من الصراع النفسي ترقب و هو ينظر ما تؤول اليه الأحداث .
هذا ابن بنت رسول الله محاط بالخيل من كل جانب و هو في معسكر المحاصرين قائد له شأنه و شجاع له سمعته ... يهتز وجدانه لحديث الحسين ع فيقبل الى عمر بن سعد قائده العام ليسأله بكل ما تحمله النفس من تردد و حيرة

"ولمّا سمع الحر بن يزيد الرياحي ، كلام أبي عبد الله الحسين وإستغاثته ، أقبل على عمر بن سعد وقال له : أمقاتل أنت هذا الرجــل ؟ قال : أي والله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي . "

هذا ما يقوله النص .. لقد تساءل الحر بمرارة موجها نظراته و استفهامه الى عمر بن سعد و جاءه الجواب حادا مؤلمًا ينبئ عن كارثة ستقع وملمة ستحدث .
حاول ثنيه بروح المتردد 
فقال له : مالكم فيما عرضه عليكم من الخصال ؟ فقال : لو كان الأمر إليّ لقًبلْت ، ولكنّ أميرك إبن زياد يأبى ذلك

عندها تركه و انتحى جانباً .. انتحى و هو يستشعر بثقل الطامة و عظم الحادثة .
لا أظنني مخطئا اذا جزمت انها اصعب لحظة يعيشها إنسان و لا ابالغ اذا قلت ان جبينه تعرق و ارتعدت فرائصه و هو يراجع ذاته و يحاور نفسه .
الحر يعتذر لصاحبه بسقيا الفرس و يقترب رويدا رويدا من معسكر الحسين و هو يخير نفسه بين الجنة و النار ... بين القتل على أيدي جلاوزة يزيد او القتال الى صفهم ، فإذا به يشد على فرسه فاراً من النار الى الجنة و هارباً من معسكر الادعياء الى قوافل الأحرار .
انها لحظة واحدة و حوار واحد ذلك الذي جمع عمر بن سعد و الحر الرياحي بعدها انساق كل منهما في اتجاه مغلباً طرفاً من طرفي الصراع الذي أعتمل في نفسيهما .
الحر اصبح حرا كما سمته أمه و عمر تلاعب برأسه المقطوع الصبيان في الكوفة 
لحظة واحدة تلك التي تفصل الانسان بين ان يصبح رجلاً على صهوة التاريخ او دمية في ازقة المدينة 
لحظة واحدة لا غير