الإحياء عملية ذات شقين من خلال دراستها بمنهج فكري خالص بعيدا عن مثيرات العواطف والتقدير الذاتي للقارئ، الشق الأول عملي وممارسة على الواقع دون أن يتخللها هدف أخر، والشق الثاني تنظيري غائي هدفه إعادة الصورة لطبيعتها كما هي وكما كانت دون تدخل أعتباطي أو ذاتي من المحي، ورد هذا المصطلح في مقولة للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام لواحد من خلص أتباعه يسأله فيها وحسب الرواية التاريخية عن معنى (رحم الله من أحيا أمرنا)، رد الإمام موضحا ومفسرا ومحددا بوضوح لا لبس فيه عن مفهوم الإحياء متمما الجملة ( أحيونا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا ، علموا الناس علومنا فلو عرفوا علومنا لأتبعونا)، هذه الصورة المتجلية بمعانيها تعط المفهوم حدودا واضحة ومبادئ أرشادية تتعلق بالكيف والشكل والهدف من الإحياء وحدود علاقة الإحياء بالحد الرباني الذي فيه صلاح الأمة وفوزها بالرحمة. نأت لدراسة النص في طريقة قد تكون غير مستساغة عند البعض حيث نقرأ النتيجة أولا ثم نعود تدريجيا للمقدمة، النتيجة تقول (لأتبعونا) يقرر الإمام في هذه اللفظة حقيقة هدف الإحياء أولا والغائية المترتبة من عملية الإحياء وثانيا والأهم يكشف حقيقة مرة قد لا ينتبه لها الكثيرون في غمرة الصراعات الفكرية والسياسية والعقائدية، ألا وهي أن الأمة بفعلها قد تخلفت عن حقيقة أهل البيت ولم تعد تعرف الصواب من المصاب ولم تعد تسترشد بغير أعلام الضلالة والهدى، فالثقل الأكبر وهم أل البيت الذين أوصى الرسول ص المسلمين بهم في وصية الوداع لم تعد تعرفهم ولم تتبعهم ولم تستدل عليهم، فالواجب من الإحياء هو ليس فقط إحياء ذاتي لمنزلة أهل البيت بل في الحقيقة الكبرى هو إحياء للأمة وإحياء للدين والرسالة وكشف غطاء الفساد والتحريف الذي يغطي عقول الأمة النائمة تحت وطأة الأستبداد والتخلف والزيف. لم يكن حديث الإمام الرضا مع الهروي حديث خاص ولا هو منهج مخصص في زاوية واحدة تخص أهل البيت وقضيتهم بمعزل عن أطارها الحقيقي، لقد قدم هذا البيت المكرم والطاهر كلما لديه لله وللناس دون أن يطلب من أحد أن يتذكروهم بالشكر والثناء، فهم وإن كان واجبا على الأمة أن لا تنسى هذا العطاء والبذل السخي، لكنهم أرادوا من هذا العطاء تشييد قواعد العدل الإنساني والحفاظ على الحرية الإنسانية وحفظ الدين والفكر الأخلاقي من تأثيرات أئمة السوء ودواعي الفساد والأنحراف، كان حديث الإمام حديث النبي وحديث أباءه وأجداده والمنهج الذي يجب أن يقتدي به كل مؤمن في سبيل الله لتحرير الإنسان من التيه والعبودية والضلال. الذين يفسرون أعتباطيا حديث إحياء الأمر بمعنى الأنتصار لأل البيت ع ضد خصومهم وأعدائهم وأيضا التذكر في عطائهم ومظلوميتهم، هو حديث تافه وسخيف وأقل ما يقال عنه هو تقزيم لهذا البيت المعظم المكرم ودوره ووظيفته الوجودية، حديث الإحياء يعني تنبيه الناس للغفلة التي هم فيها والضلال المستشري في عقول الناس حينما تركوا عدل القرآن ووصية الله ورسوله فيهم فيما أن يتمسكوا بهذا الركن المهم إن أرادوا أن لا يظلوا بعد رسولهم كما ظلت غيرهم من أمم، كما يشير هذا الحديث إلى قضية أمرنا وكأن السامع يفهم أمرنا بمعنى قضيتنا أو مشكلتنا مع الناس، لذا أردف الإمام التوضيح بقوله "علومنا"، أي أن الأحياء هو منصب تخصيصا وتحديدا على إحياء علوم أل محمد إشارة إلى حديث رسول الله ص (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، هذا التركيز على العلوم وهو تركيز على مبدأ الإسلام الأساسي في أن العلم هو مصدر الإيماني الحقيقي وهو الذي يحصن الأمة من الجهل والأنحراف. كان الهدف من هذا التركيز على العلم هو تركيز على قضية العقل والمنطق في ممارسة عملية الإحياء ومن خلالها، فلولا الجهل والتخلف العلمي لم يتسيد الفاسدون على مقاليد السلطة وتولي أمر الناس بالخوف والقتل والتشريد، ولولا الجهل لم يخرج الإنسان عن طبيعيته التقليدية ليكون كافرا أو مارقا أو مشركا، ولولا الجهل لم ينشأ الفقر ويختل ميزان العدل في المجتمع، فالمطلوب أذن من هذه المقالة أن أحيوا دين الله ودين رسوله من خلال تعليم الناس عما خفي عنهم وعما حجب عنهم من علوم أل محمد ص، كونوا سفراء لأل محمد عند الناس وقدموا لهم الحقيقة كاملة وأعطوهم ما أعطاكم من فيض علمي من منبعه الأصلي، لا تجعلوا الناس تبعا لكم ولكن أجعلوهم تبعا للحق ومدار الحق وكلمة الله، كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا فأل محمد هم أهل العلم وخزنته والسر المكنون الذي لا بد للمؤمن الموالي أن يحمله كمشعل للناس وتنوير الدروب والطرق أمامهم لكي لا يبقى للناس حجة عليهم ولا على الدين.
|